لم تشهد الساحة الإعلامية في سوريا أيّ تغيير فعلي عام 2011، إلا مع انطلاق الاحتجاجات الشعبية في شهر آذار (مارس) الماضي. وتماماً كما انقسم الشارع بين مؤيّد للنظام، ومعارض له، اصطفّت وسائل الإعلام على الجبهتين. على ضفة الموالاة، بذل «التلفزيون السوري» جهوداً لتلميع صورة النظام والتقليل من أهمية التظاهرات، فيما بالغ تلفزيون «الدنيا» في تأييده للسلطة، حتى بات بعض مذيعيه يشبهون المسؤولين الرسميين في خطاباتهم. أما قناة «المشرق»، فذهبت إلى الضفة الأخرى لتدعم المحتجين، وتشنّ حملة مضادة على النظام.
كذلك فعل موقع «كلنا شركاء»، الذي ارتدى حلّة المعارضة الشرسة، خالعاً رداء «الاعتدال» الذي اشتهر به طويلاً. هكذا انقلبت الصورة الإعلامية في سوريا، وتعرّض قسم كبير من الصحافيين للخطر والمساءلة والتوقيف.

ورغم تفاؤل السوريين برفع الحظر عن مواقع التواصل الاجتماعي (فايسبوك، وتويتر، ويوتيوب)، بدا أن هذه الخطوة ما هي إلا سلوك شكلي. واجه الناشطون الإلكترونيون صعوبة كبيرة في الدخول إلى صفحاتهم، إضافة إلى تعطيل عمل الشبكة العنكبوتية بين الفترة والأخرى. ومع اندلاع الاحتجاجات، توسعت دائرة المنع التي اعتادتها السلطات السورية، لتشمل هذه المرة معظم الصحف العربية، بما فيها تلك التي اعترفت بوجود عصابات مسلحة وطالبت بوقف «المؤامرة» التي تحاك ضدّ سوريا... وجاء ذلك بالتزامن مع صدور قانون إعلام جديد وصفه المراقبون بـ«العصري والمتطور»، كما شهد العام إنشاء مجلس وطني للإعلام يتولى قيادة العملية الإعلامية في سوريا. إلا أن تلك الخطوات ذهبت أدراج الريح، فاستمرّت الرقابة، وكان أبرز ضحاياها جريدة «بلدنا» السورية الخاصة، التي سحبت من الأسواق بسبب مقالة رأي هاجمت «حزب البعث» الحاكم.
وفي وقت لم نشاهد فيه ولادة أي إذاعة جديدة، فإن معظم الراديوهات الخاصة تجاوزت التراخيص الفنية والتجارية الممنوحة لها، وبدأت تذيع نشرات الأخبار. بينما تحولت إذاعة «شام أف. أم.» إلى محطة إخبارية مستفيدة من بثها الفضائي. وقد سجّلت سابقة باستضافة محللين وخبراء سياسيين، ونجحت في مواكبة الأحداث على الأرض، وبثّ الأخبار العاجلة معتمدةً على شبكة مراسليها في المحافظات السورية، إضافة إلى استضافتها شخصيات من المعارضة الداخلية.

على مستوى الفضائيات، تراجع على نحو ملحوظ حضور قناة «سوريا دراما»، فيما بدأت «التربوية السورية» بثها على مدار الساعة. أما «الإخبارية السورية»، فاعتصمت ببثها التجريبي متخبطةً في عجز واضح عن مجاراة الأحداث. كذلك، باشرت فضائية «نور الهدى» الرسمية بثّها كأول محطة دينية، إلى جانب تسجيل تلفزيون «الدنيا» ظهور أول مذيعة محجبة في تاريخ سوريا، وهي ريم شرقاوي. إضافة إلى كل ما سبق أن تردد عن أن وزارة الإعلام منحت ثمانية تراخيص لفضائيات يفترض أنها ستزاول عملها مطلع العام الجديد، كما قُدّم حوالى ثلاثة عشر طلباً لإنشاء أحزاب «مستقلّة»، وبالتالي إنشاء وسائل إعلامية ناطقة باسم هذه الأحزاب.
إذاً انقسم الإعلام السوري، وانقسم معه الإعلاميون، حتى دفع بعضهم ثمن مواقفه. ولعلّ أبرز هؤلاء كان رئيسة تحرير جريدة «تشرين» سميرة المسالمة، التي أطلّت عبر شاشة «الجزيرة» محملةً رجال الأمن مسؤولية تطوّر الأحداث في منطقة درعا. وهو ما أدّى إلى إقالتها من منصبها. أما مذيعة قناة «العربية»، السورية زينة يازجي، فقدّمت استقالتها من المحطة احتجاجاً على «تغطيتها المنحازة» للأحداث في بلادها، بينما علّقت قناة mbc التعاون مع الإعلامي اللبناني جورج قرداحي، بعد مواقفه الداعمة للنظام السوري.