مشاهد التعب والقلق الظاهرة على وجوههم لا يمكن تجاهلها. الأساتذة في غرفهم يعيدون احتساب فواتيرهم ومداخيلهم الشهرية مرّة تلو الأخرى، يجمعون ويطرحون علّ الحاصل يتغيّر ولو لمرّة ولا يكون سلبياً. لم يمرّ أسبوع بعد على تقاضي أساتذة التعليم الرسمي رواتبهم عن شهر أيار، فقد تأخر قبضها، وكالعادة غاب عنها بدل نقل للشهر الخامس على التوالي، أما الحوافز الاجتماعية (90$) فلم تُصرف، وكذلك مساعدة النصف راتب الحكومية.
عام دراسي استثنائي
منذ الإعلان المفاجئ عن انتهاء العام الدراسي، باتوا متأكدين بأن مشهدهم هذا سيتكرّر طيلة شهور الصيف المقبل. وإن كان هناك من إنجاز يمكن تسجيله، فهو اعتراف وزارة التربية في لبنان بـ»استثنائية» العام الدراسي الحالي على مختلف الصعد الاقتصادية والاجتماعية والمالية. الأساتذة لم يستطيعوا غالباً الوصول إلى مراكز عملهم، وكذلك التلامذة. الرواتب، والحوافز الاجتماعية إذا سدّدت، لم تعد تكفي. والمدارس أرهقتها المصاريف التشغيلية، ولا يمكن أن يُفرض عليها الاستمرار بالتعليم لمدّة أطول... فلم لا يشمل الاستثناء زمن العام الدراسي، حتى لو كان مثيراً لهواجس الأساتذة بشأن مستحقاتهم؟

الوزارة تبدّد الهواجس
هواجس يحاول مدير التعليم الابتدائي في وزارة التربية جورج داوود أن يبدّدها بالإشارة إلى «طلب وزارة التربية من المدراء احتساب الغياب المبرّر، كالإجازة المرضية أو حصر الدوام، أيام حضور للأساتذة كي لا يخسروا حقهم في الحوافز الاجتماعية». ويضيف أنّه ليس راضياً عما تمّ إنجازه هذا العام من الأهداف التعليمية «فهو أقلّ من المطلوب». لكن في المقابل «لا يمكن الضغط أكثر على الجهاز التعليمي»، بالتالي قامت الوزارة بإعطاء حريّة إنهاء العام الدراسي للمدارس «على الحبّة».
قرار إنهاء العام الدراسي إذاً لا يلزم كلّ المدارس بتاريخ محدّد للتوقف عن التعليم نظراً لتفاوت النسبة المنجزة من المنهاج في ما بينها.

جهات مانحة
هذه الأمور مجتمعةً تسبّبت بفاقد تعليمي لا يستهان به. للتعويض، يوضح داوود أنّ «الوزارة ستعيد افتتاح المدارس الصيفية في ستمئة مركز (500 مدرسة و100 ثانوية) على حساب الجهات المانحة». وقد تولّت جمعية «كتابي» تمويل تعليم الحلقتين الأولى والثانية، و»اليونيسف» الروضات والحلقة الثالثة. ويشير داوود إلى أنّ «البدلات الخاصة بالمدرسة الصيفية يُعمل على تعديلها وسترضي الأساتذة».
لا تكاليف إذاً على عاتق الدولة اللبنانية، غير القادرة على الدفع أبداً، وهذا ما يمكن للمتابع أن يدركه لكثرة ما يسمع جملة «الجهات المانحة». هذه الأخيرة ستقوم بتغطية تكاليف الامتحانات الرسمية إذ ستدفع للأساتذة المشاركين في تنظيمها مبالغ بـ»العملة الأجنبية ستحاول الوزارة زيادتها عما كانت عليه السّنة الماضية»، دائماً بحسب داوود، الذي يؤكّد أيضاً «عدم مشاركة المورّدين في المناقصات التي تعلنها الوزارة لشراء القرطاسية، نظراً إلى أنّ الدفع هو بالعملة الوطنية ما يدفعنا للتفاوض دائماً مع الجهات المانحة».
يُذكر أنّ وزارة التربية ستقوم بتوزيع الأساتذة على المدارس المحيطة بأماكن سكنهم خلال فترة الامتحانات الرسمية للتخفيف من تكلفة النقل عليهم.
الوزارة ستعيد افتتاح المدارس الصيفية في 600 مركز على حساب الجهات المانحة


مقاطعة الامتحانات؟
لكن خطط الوزارة قد لا تتطابق مع مطالب الأساتذة، إذ لا تزال «المشاركة في الامتحانات من عدمها موضع نقاش داخل رابطة التعليم الثانوي»، كما يقول عضو الهيئة الإدارية للرابطة فؤاد إبراهيم، مقسّماً الامتحانات إلى مراحل بين إعداد ومراقبة وتصحيح، مؤكّداً أنّ كلّ واحدة منها «ورقة على طاولة البحث في الهيئة الإدارية».
ورداً على سؤال عن سبب المشاركة في تنظيم الانتخابات، بما أن الظلم اللاحق بالأساتذة لم يتغيّر، يجيب بأنّه على المستوى الشخصي كان مع «المقاطعة بهدف الوصول إلى تحقيق أهدافنا النقابية»، ولكنّ كان «هناك خشية لدى روابط التعليم من تحميلها مسؤولية تطيير الاستحقاق لا سيّما مع المساعي التي كانت تشي بهذا التوجه»، كما أنّ عدد المتقدمين من الأساتذة للمشاركة كان قد بلغ الآلاف قبل فترة طويلة من انطلاق البحث.

وعود بدلات النقل
أبرز المطالب التي تعمل الرابطة على تحقيقها هي صرف بدل النقل المتأخر للأساتذة، كما يقول إبراهيم. لكن المشكلة أنهم «وعدونا ولم يفوا بوعودهم»، قاصداً وزارة المالية التي أخلّت بتعهداتها صرف بدلات النقل على شكل سلف مع المساعدة الاجتماعية الشهر الفائت (أيار). ويوضح أن «كلّ بحث ببدلات النقل الخاصة بموظفي القطاع العام مؤجل إلى حين، إمّا إقرار الموازنة وإما نقل اعتماد، والأمران يحتاجان إلى المرور في الهيئة العامة لمجلس النواب التي ينتهي عقدها العادي غداً مع انتخابات اللجان النيابية».

فذلكات موظفي التربية
الأساتذة ذاهبون إذاً لصيف طويل من دون حوافز اجتماعية (90$) مرتبطة بالحضور، أو بدلات نقل متأخرة فقدت كلّ قيمتها بعد الارتفاعات الجنونية لسعر صفيحة البنزين. بقي لهم فقط نصف الراتب الذي حاولت «فذلكات بعض الموظفين في مالية وزارة التربية أن تربطه بالحضور أيضاً، فرفضت روابط التعليم الأمر ولفتت إلى خصوصية قطاع التعليم». هنا وعد وزير التربية بحلحلة الأمور ولفت إلى أنّ الدوام الإداري لا ينطبق على الأساتذة «وأخذ الأمر بصدره» بحسب إبراهيم.
«أهل مكّة أدرى بشعابها» يقول داوود عن العام الدارسي المقبل إذ «لا يمكن التخطيط لأكثر من أسبوع واحد نظراً لسرعة المتغيّرات، ولكن الوزارة ستدرس كلّ الاحتمالات لإعادة الاعتبار للتعليم الرسمي». وهنا يضيف إبراهيم أنّ «الروابط بصدد فتح معركة تصحيح الأجور مع انتظام العمل الدستوري في البلاد».