إعلان روابط التعليم الرسمي الإضراب العام لمدة أسبوع… تحرّك الأساتذة أمام وزارة التربية والتعليم العالي للمطالبة بتنفيذ الوعود… أزمة الثقة بين الأساتذة وروابطهم… ضغط على الجهات المانحة… خلف هذا المشهد المتصدّع في التعليم الرسمي، حلقة ضعيفة لا صوت لها ولا قوة. يد يمسكها طرف ليوجع بها آخر، ومحل استعطاف طرف لآخر من أجل ثنيه عن موقفه. هذه الحلقة همّها الوحيد أن تعرف: «بكرا مدرسة أم لا»؟
يعيش الطالب في التعليم الرسمي «كلّ يوم بيومه». لا شيء يضمن له استمرار التعليم أو يحدّد له موعد العودة بعد فكّ الإضراب. عادة، عندما «يهتز» العام الدراسي يلجأون إلى مواقع التواصل الاجتماعي، ولا سيما فايسبوك، للبحث في صفحات تربوية ولتصفّح نبوءات الأساتذة وتحليلاتهم. قطعت روابط التعليم الرسمي الثلاث طريق البحث عليهم قبل يومين، وصارحتهم بأن الإضراب يستمرّ لأسبوع واحد.

(هيثم الموسوي)


أنور محتار: «في مدرسة»؟
أنجز أنور، طالب في الصف الثامن، فروضه وواجباته خلال عطلة الميلاد، وكان على أهبة الاستعداد للعودة إلى مدرسته، «لأزيح الحِمل عني، وأسلّم الواجبات، وأرتاح». عدا عن أنه «شبع» من العطلة واشتاق إلى مدرسته ورفاقه. لكنّه «صدم»، على حد تعبيره، من أجواء التعطيل التي يعيشها لأول مرة بعدما جرى نقله من مدرسة خاصة إلى أخرى رسمية. نهار الاثنين الماضي، وقع في حيرة من أمره: «هل سأذهب غداً إلى المدرسة»؟ فالأخيرة لم تقل له شيئاً. استيقظ صباح الثلاثاء على اتصال من سائق الباص المدرسي يسأله: «هل آتي اليوم أم لا»؟ زاد توتره لأنه لا يعرف ماذا يجيبه، حتى وصلته رسالة من المدرسة بتعليق الدروس، فأجابه وتابع نومه.

قلق حتى على الخرجيّة
اعتاد طلاب المدارس والثانويات الرسمية القدامى وأهاليهم عدمَ استقرار التعليم الرسمي. هم أصلاً يعرفون عبثية التسجيل في «الرسمي» بعدما يئسوا منه، إلا أن تدهور أوضاعهم المادية أجبرهم على ذلك. انتظام التعليم خلال الأشهر الثلاثة الأولى من العام الدراسي الحالي جاء مباغتاً، عزّز ارتياحهم. ثم جاء الإضراب الحالي ليوقظ خوفهم على مصير العام الدراسي والمستقبل التعليمي برمّته. خوف يصبّه بعض الأهالي على أولادهم بملاحقتهم: «ادرسوا أكثر، لا تناموا ولا تلعبوا، فأنتم لستم في عطلة»، علماً أنه لا دروس جديدة بين أيديهم، ما يجعل الأولاد يتوسّلون العودة، مثل غدير التي تقول: «لو نزلت إلى المدرسة كنت درست وارتحت بعد عودتي، لكن والدي كلما رآني ألهو بشيء يطلب مني أن أدرس».
وهناك قلق من نوع آخر، مثل قلق بتول على الخرجيّة. لا يخيفها من الإضراب غير خسارة المصروف الذي حصلت عليه أول الأسبوع.

فرصة للاستراحة
يرى بعض الطلاب أن «تعطيل الدروس قسرياً» تمديد لعطلة لم يشبعوا منها بعد، وفرصة لاستراحة إضافية، وخاصة لمن تقاعس عن إنجاز واجباته فوجد متسعاً من الوقت لإنجازها. وهناك طلاب يتمنون لو أن الإضراب تأخرّ أسابيع «حتى نشتاق للعطلة». لكن، مهما تعلّق الطلاب بحبال العطلة، فإنهم عندما تطول وتتعقّد ينتابهم القلق. يخبرنا أستاذ في التعليم الرسمي عن سعادة طلابه بتمديد العطلة لأسبوع إضافي. «طوال فترة التعليم، تكرّر سؤالهم من باب المزاح: يا أستاذ، متى ستضربون؟ هم ذاتهم في العام الماضي بعدما طال الإضراب لم يوفروا فرصة ليسألوني عبر الواتساب: شو يا أستاذ، متى سنعود»؟
لا تأبه ناهدة بالإضراب لأنها ستسجّل ابنها في معهد تقوية قبل الامتحانات الرسمية


من جهة ثانية، هناك أهالٍ مطمئنون إما لثقتهم التي لا تهتزّ بالتعليم الرسمي، أو لأنهم اجترحوا حلولاً أخرى. ناهدة مثلا، سجّلت ابنها في ثانوية رسمية غير آبهة للتحذيرات التي وصلتها من خطر إقفال وإضراب وتعطيل العام الدراسي، وخاصة أن ابنها طالب شهادة رسمية ثانوية. فـ«أنا في جميع الحالات سأسجله في معهد تقوية قبل شهرين من الامتحانات الرسمية يشرح له كل ما ينقصه». أمّا يارا فتعرف منذ البداية أن هذا هو مصير التعليم الرسمي، لكنها لا تقلق على إخوتها لأن «ما درسوه في مدرستهم الرسمية خلال بضعة أشهر أفضل مما كانوا سيأخذونه خلال عام كامل في مدرسة خاصة». تثق بجودة التعليم في المدرسة الرسمية من جهة وبأنها، أي المدرسة، ستعوّض ما فات، «هي أصلاً حسبت حساب الإضرابات فكثفت دروسها».

تمييز طبقي
مهما تكن صورة التعليم الرسمي في عيون الأهالي، وصورة الإضراب في عيون الطلاب، ما يحصل هو شكل من أشكال التمييز الطبقي وعدم تكافؤ الفرص في التعليم بين الغني والفقير، إذا وضعنا جانباً التمييز بين الطلاب داخل التعليم الرسمي، لأن هناك عدداً من المدارس والثانويات لا يلتزم بقرار الإضراب ويعلّم بشكل طبيعي. وما حوار علاء (طالب في مدرسة رسمية) وابن عمته أحمد (طالب في الخاص) غير تجسيد للصراع الطبقي بنكهة بريئة. يستفزّ الأول الثاني: «أسهر وأنام حتى وقت متأخر وألعب وألهو، أما أنت فتستيقظ باكراً في هذا الجو البارد، ثم تعود من مدرستك لتنجز فروضك». يرد الثاني عليه: «لكنني أدرس الآن لآخذ عطلتي الصيفية، فيما أنت لا تستمتع بهذه العطلة لأنك تنتظر فك الإضراب، ثم تعود ويكثّف الأساتذة الدروس ليعوّضوا ما فاتكم ويضغطونكم حتى فصل الصيف».