القاهرة | «السيسي هيبقى أوّل رئيس في العالم هيحفظ أسامي اللي انتخبوا وهيعملهم فراشة في القصر عشان يشكرهم واحد واحد بنفسه»! هكذا سخر أحد المصريين أمس، إزاء قلة المشاركة في اليوم الأوّل من الانتخابات الرئاسية، والتي ستستمر حتى بعد غد الأربعاء. الأنكى أنّ الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، كان مستعجلاً يوم أمس، إذ إنّه كان أوّل المقترعين، وذلك قبل أربع دقائق من فتح باب الاقتراع رسمياً.لم الاستعجال؟ «فهِّمونا»! قصر الاتحادية سيبقى له، فلم الاستعجال؟ المنافس الوحيد ليس إلا أحد مؤيديه (موسى مصطفى موسى)، فلم الاستعجال؟ ربما كان يريد متابعة حملته الانتخابية؟ كفى استخفافاً... كلّ أجهزة الدولة في خدمة حملته!
ماذا عن المصريين؟ تبدو غالبيتهم بلا حول ولا قوة. نُدركُ أنّ هذه الانتخابات ليست إلا عقوبةً: ليس أمراً سهلاً أن تُفرض عليك مشاهدة مسرحية عن حلمك الذي يُقتل. ليست المرة الأولى التي ينكّل فيها بحلم عمره نحو 8 سنوات، ولكنّها الأكثر قسوة.
في مسرحية الانتخابات هذه، الإقبال ضعيف، لكن الحكومة حاولت تحسين الصورة من خلال تصريحات رسمية، قالت إنّ نسبة الإقبال «فوق المتوسط». كان لافتاً أيضاً، غياب الاحتفالات الشعبية أمام اللجان الانتخابية والاكتفاء بالفرق المنظمة مسبقاً والمكلّفة من أجهزة الدولة للحضور وإظهار التفاعل أمام عدسات المصوّرين، وسط محاولات إعلامية لتضخيم المشاركة.
المؤشرات الأولية التي رصدتها عدسة التلفزيون، لم تُظهر سوى كبار السن من الرجال والسيدات، بالرغم من أنّ قاعدة بيانات الناخبين يصل عديدها إلى أكثر من 59 مليون شخص، أكثر من نصفهم من الشباب، ومنهم نحو 6 مليون شخص أُضيفوا لقاعدة البيانات خلال السنوات الأربع الأخيرة.
هزلية المشهد لم تمنع القائم بالأعمال الأميركي من إعلان دعمه للسيسي


عمليات الحشد للتصويت انطلقت من منتصف يوم أمس إثر ضعف الإقبال بعد الساعات الأولى: تقديم سلع للناخبين في بعض الأماكن، أو الطلب مثلاً إلى موظفين بالدولة في قطاعات مختلفة إثبات مشاركتهم في الانتخابات عبر إظهار «الحبر الفسفوري» لرؤسائهم في العمل.
طبعاً، لم يغب القطاع الخاص: عشرات شركات رجال الأعمال الكبرى، شاركت في المراقبة الانتخابية ضمن حملة السيسي. يُريدون جمع الأعداد التي صوّتت في جميع اللجان الانتخابية، وتقديم لوائح للجهات المعنيّة. إلى جانب ذلك، استدعى عشرات النواب «بلطجية» معروفين بأدوارهم في الحشد، ليتجمعوا أمام اللجان على مدار اليوم، في مقابل مبالغ مالية وصلت لنحو ألفي جنيه (نحو 110 دولارات).
هزلية المشهد الانتخابي لم تمنع القائم بالأعمال الأميركي في القاهرة توماس غولدبيرغر، من إعلان دعمه للسيسي ونظامه. قام بزيارة للجنة انتخابية في منطقة السيدة زينب، وقال: «إننا كأميركيين متأثرون للغاية بحماسة الناخبين المصريين ووطنيتهم».
في جولة لـ«الأخبار» على بعض مقاهي القاهرة وعدد من لجان العاصمة، من بينها لجان منطقة الجمالية مسقط رأس السيسي، كانت واضحةً في حديث المواطنين الانتقادات الموجهة «للريّس»: انتقادات ارتفاع الأسعار و«ضيق العيش». سجالات كثيرة نشبت في المقاهي بسبب «الانتخابات». تنطلق الناقشات الحامية بين الشباب وكبار السن: الشباب يعارضون وكبار السن يتفاؤلون بالمستقبل، ويدعمون السيسي، بينما يضطر أصحاب المقاهي إلى تغيير القنوات. «المستقبل!» أين هرب المستقبل؟
بأي حال... هذه ثاني «انتخابات» رئاسية لا يحضرها «العم نجم» (الشاعر أحمد فؤاد نجم)، لكنّ قصيدته الشهيرة التي كان ينتقد فيها أنور السادات، لا تزال حية: «يا للي فتحت البتاع... فتحك على مقفول... وناس تعيش بالبتاع... وناس تموت بالفول». أو «بيانه الهام»: «وتفهم ما تفهم... دا ما يهمناش... لأن انت فاهم وعامل طناش... ح تنكر وتحلف... ح اقول لك بلاش»... وأيضاً: «وريحة مؤامره... في جو المكان... مخطط خيانه... مع الأمريكان... لدبح العشيره... وحرق الجيران... وفيه ناس بترغي... ولازم بيان».
نعم، «لازم بيان». فالقاهرة تبدو مشغولة بحدث آخر غير «الانتخابات». نبض القاهرة يبدو ضعيفاً... «وديتوا الشعب فين يا ريّس؟!»