في سجن طرّة جنوبي القاهرة، يقبع الكوميدي والمدوّن الساخر شادي أبو زيد (25 عاماً) منذ شهر أيار/ مايو الماضي. انضم شادي منذ ذلك الوقت إلى مئات المعتقلين في مصر، بسبب آرائهم السياسية، في ظلّ تشديد الدولة البوليسية قبضتها على البلاد خلال عهد الرئيس عبد الفتاح السيسي. الجديد في هذه القضية، أن شادي ليس ناشطاً سياسياً، ولا حتى صحافياً، حتى إن عمله في السنتين الأخيرتين لم يتضمن أي بعدٍ سياسي. برغم ذلك، لم ينجُ الكوميدي الشاب من «العقاب» الذي تنزله الدولة بكل من لا ترضى عنه، بغضّ النظر عن حججها القانونية في ذلك.التهم الموجهة إلى شادي هي «نشر أخبار كاذبة والانضمام إلى جماعة أُسِّست خلافاً للقانون»، وفقاً لما تؤكده شقيقة شادي، في حديثٍ إلى «الأخبار». رولا أبو زيد أكدت أن شقيقها لا يزال محبوساً احتياطياً من دون صدور أي أحكام في حقه حتى الآن، مشيرةً إلى أن وضعه النفسي «سيّئ».
المخيف في قضية شادي، والذي يبرز ضيق الهوامش يوماً بعد يوم في مصر، في ظلّ هذا العهد، أن الدولة لم تكتفِ بقمع الكوميديا السياسية وبـ«تطفيش» الكوميديين في عهدها، بدءاً بباسم يوسف الذي أُوقف برنامجه على «سي بي سي» بداية عهد السيسي، إلى «أبلة فاهيتا» التي حظيت بإنتاجٍ خاص ضخم من القناة نفسها فقط عندما تخلّت عن النقد السياسي وركّزت على مواضيع فنية واجتماعية. وبرغم ذلك، أوقف برنامج «الدمية الأشهر عربياً قبل أشهر، حين أثيرت أنباء عن اعتراضات حكومية على المحتوى «الخادش للحياء». قضية شادي أظهرت أن الحكومة لم تكتفِ بخنق السخرية عبر إيقاف بثّ الأعمال الساخرة وحرمانها منصات إعلامية مهمة، بل هي انتقلت إلى مرحلة الزجّ بالكوميديين في السجون.

حبس احتياطي
الأسبوع الماضي، جددت النيابة العامة حبس شادي احتياطياً لـ15 يوماً إضافياً، على ذمة التحقيق.
وكانت الشرطة قد أوقفت أبو زيد في مطلع أيار/ مايو الماضي، بتهمٍ عدة، هي «الانضمام إلى جماعة أنشئت على خلاف أحكام القانون، والغرض منها الدعوة إلى تعطيل أحكام الدستور والقوانين، ومنع مؤسسات الدولة والسلطات العامة من ممارسة أعمالها». واتهمته النيابة العامة أيضاً بـ«نشر أخبار كاذبة» عن الأوضاع السياسية والاقتصادية في البلاد، بقصد تكدير السلم العام في إطار «أهداف جماعة الإخوان الإرهابية»، بالإضافة إلى «الترويج لأغراض الجماعة التي تستهدف زعزعة الثقة في الدولة المصرية ومؤسساتها».
مع العلم بأن الكوميدي الشاب، لم ينضم مطلقاً إلى جماعةٍ سياسية أو أخرى من أي نوع، إلا حين أسس حركة باسم «التحرش بالمتحرشين» لمكافحة التحرّش، لكن حتى هذه الحركة أوقفت نشاطها بسبب صعوبة استصدار تراخيص حكومية لعملها. وكانت عائلة شادي قد نشرت بياناً على «فايسبوك»، أعربت فيه عن غضبها واستيائها ممّا نُشر «من أخبار كاذبة ومعلومات بعيدة كل البعد عن الحقيقة، لا غرض منها سوى تشويه صورة شادي والتشكيك فيه».



الشرطة و«الكوندوم»
عرف الجمهور شادي من خلال برنامج «أبلة فاهيتا» المتوقّف حالياً (قناة CBC)، الذي ظل يعمل فيه مراسلاً حتى شهر كانون الثاني/ يناير 2016، حين أُوقف عن العمل على خلفية فيديو نشره على «فايسبوك» في ذكرى «ثورة يناير». أثار الفيديو في حينه جدلاً واسعاً، ما دفع القائمين على برنامج «أبلة فاهيتا» إلى «التبرؤ» من شادي وإيقافه عن العمل. الفيديو المذكور سخر من عناصر الشرطة المصرية التي كانت تحتفل بعيدها الوطني الذي يصادف مع ذكرى الثورة، عبر الانتشار في ميادين القاهرة لمنع أي تحرّك يجري إحياؤه في هذه الذكرى. هنّأ شادي أفراد الشرطة في عيدهم وقتئذٍ، موزعاً عليهم «بالونات» تبيّن أنها في الواقع أوقية ذكرية.
الفيديو حقّق مشاهدات عالية وانتشاراً واسعاً على «فايسبوك»، تلقى شادي على إثره تهديدات عدة، الأمر الذي دعا أسرته إلى تقديم بلاغ للمطالبة بإلزام وزارة الداخلية بحمايته وعدم التعرض له، بالإضافة إلى فتح التحقيق في رسائل تهديد تمسّ أمنه وسلامته الشخصية.
منذ ذلك الحين، غاب شادي عن التلفزيون، وانصرف إلى العمل في مجال الإعلانات وفي إنتاج أعمالٍ ساخرة على موقع «فايسبوك»، ابتعدت تماماً عن السياسة وعن أي «محرَّمات» قد تسبب له مشاكل مع الحكومة، في ظلّ التضييق الكبير الذي تمارسه أجهزتها على المواطنين في السنوات الأخيرة.



«المحتوى الغني»
إذا كانت الكوميديا المصرية عموماً تتميّز أكثر من غيرها بـ«السينيكيّة» أو بتعبيرٍ آخر ببعدٍ عدميّ، يمكن اعتبار شادي أبو زيد أحد روّاد «السخرية العبثية» في مصر. منذ إعداده تقارير برنامج «أبلة فاهيتا» وظهوره فيها، تميّز الكوميدي الشاب بتقديم نوع من الكوميديا متصالح مع العبث ومع الانهيارات الاجتماعية والثقافية عموماً، تلك الحاضرة بقوة في المجتمع المصري. هذا النوع من الكوميديا ازدهر كثيراً في السنوات التي تلت الثورة، حيث باتت السخرية الخارجة من المرارة والإحساس بالعجز عند أوساط واسعة من الشباب المصري، تتّسم بالسوداوية وبالنقد الذاتي وبالنكهة العدمية المستسلمة للشعور بالفشل وبانسداد الأفق.
بعد إيقافه عن العمل في التلفزيون، قدّم شادي أعمالاً مصوّرة متنوعة عبر صفحة على «فايسبوك» حملت عنوان «المحتوى الغني ـ The rich content». ركزت الفيديوهات القصيرة التي كان ينتجها على الجانب العبثي الذي يعدّ مكوناً مهماً من مكونات صناعة الكوميديا عموماً، وعلى غياب المعنى في أحيانٍ كثيرة عن الفيديو. ويمكن بسهولة ملاحظة انشغال المعلقين على هذه الأعمال بمحاولة إيجاد «هدف» أو «رسالة» خلف الدقائق القليلة التي أعدّها شادي ورفاقه.
يظهر حيناً في مقطع مصور من نحو أربع دقائق، يسكب فيه المياه خارج الكوب الذي يشعل أسفله عوضاً عن إشعال سيجارة يلتقطها بين شفتيه. يحاول المعلِّقون تأويل هذه المشاهد واستخراج معنى ما من هذه المشاهد. يقول أحدهم: «هو يقصد أننا نعيش حياتنا غلط»، في وقتٍ يؤكد آخر أن ليس هناك أي غاية مما يقدّمه شادي، وبعكس اسم الصفحة، «المحتوى الغني»، هو يريد أن يقدّم عملاً مضحكاً، ولكن فارغاً من أي «محتوى».
في فيديو آخر، نرى شادي في الشارع يسأل المارّة عن رأيهم في احتمال وجود كائنات فضائية، وإذا ما كانت الأوضاع في مصر تحتمل قدوم هذه الكائنات. تأتي الإجابات عن السؤال جدّية، فالبعض يعبّر عن خوفه على البلد، فيما تتخوف سيّدة من أن تغري هذه الكائنات الشبان بالمخدرات وغيرها. لكن هذا النوع من الإضحاك، الذي بدأه شادي في برنامج «أبلة فاهيتا»، لقي انتقادات كثيرة، إذ إنه يعتمد على السخرية من الناس في الشارع، وفيما يلاقي هذا النوع من يدافع عنه، يهاجمه كثيرون اعتراضاً على استغلال جهل الناس وظنهم أنهم في مقابلةٍ جدّية وجعلهم مادة للسخرية.



ليس واضحاً ما هي مشكلة الحكومة الحقيقية مع شادي أبو زيد ومع أعماله. يرجّح البعض أنها «تنتقم» من «فيديو الكوندوم» وسخريته من الشرطة قبل سنتين، فيما يؤكد آخرون أن الموضوع أصبح قديماً، خصوصاً أنه لم يُقدم على أي استفزاز للحكومة منذ ذلك الوقت. لعلّ تعليق أحد أصدقاء شادي قبل أيام، الذي يربط بين العبث الذي يسم أعماله وبين عبثية ما يجري معه حالياً، أفضل تعبير عن وضع الكوميدي الذي يطالب أصدقاؤه وعائلته يومياً بالإفراج عنه: «شادي أبو زيد من أكتر الناس اللي شفتها بتحب شغلها ونِفسها تخلق محتوى كوميدي عبثي بشكل جديد... من أكتر الناس اللي بحب اتكلم معاهم جد، وعادي برضه أفضل اتكلم معاه 4 ساعات في اللاشيء. شادي أبو زيد (...) مقبوض عليه في قضية عبثية ملوش دعوة بيها، لكن للأسف المرة دي العبث اللي هو فيه مش مضحك... العبث اللي وقع فيه مخليه مسجون في سجن طرة وهو ملوش دعوة بحاجة... إفتكروا شادي وإفتكروا شغله لحدّ ما يخرج ويرجع يعملّنا حاجات بتضحّكنا تاني».