أخيراً... اشترت شركتا «ديلك» الإسرائيلية، و«نوبل إنيرجي» الأميركية حصة من مجموعة «غاز شرق المتوسط» المصرية، صاحبة أنبوب الغاز الممتد من إسرائيل إلى سيناء، بصفقة مقدارها 1.3 مليار دولار أميركي. ومن بيان للشركة الإسرائيلية، يظهر أن الصفقة تمت بالشراكة مع الأميركية وأيضاً مع شركة «إيست غاز» المصرية.بموجب الاتفاق، ستحصل «ديلك» و«نوبل إنرجي» على حق تشغيل خط الغاز الطبيعي لمجموعة «غاز شرق المتوسط» المصرية وأيضاً تأجيره. الأنابيب التي اشترتها الشركتان (الإسرائيلية والأميركية) من الأخيرة، تمتد على طول 90 كلم، رابطة بين منشآت تسييل الغاز في مدينة عسقلان في جنوب الأراضي الفلسطينية المحتلة، ومنشآت تسييل الغاز في مدينة العريش في الجانب المصري. عبر هذه الأنابيب، سيُنقل الغاز من حقلي «تمار» و«لفيتان» الإسرائيليين إلى مصر.
وفي تفاصيل الاتفاق أن الشراكة الإسرائيلية ــــ الأميركية ــــ المصرية في الأنبوب، ستتوزّع على النحو الآتي: 25% لشركة «ديلك»، 25% لشركة «نوبل إنرجي»، و50% لشركة «إيست غاز». أمّا موعد دخول الصفقة حيّز التنفيذ فهو بداية العام المقبل، أي بعد الانتهاء من الإجراءات البيروقراطية بين الحكومتين المصرية والإسرائيلية.
وبفضل هذه الصفقة، تتحوّل إسرائيل إلى «مرساة طاقة إقليمية»، كما عبّر عن ذلك «اتحاد صناعات التنقيب عن الغاز والنفط» في تل أبيب. أمّا مدير «ديلك»، يوسي أبو، فوصف الصفقة بأنها «أهم المحطات التي شهدها سوق الغاز الطبيعي الإسرائيلي منذ اكتشافه». وبالنسبة إلى وزير الطاقة الإسرائيلي، يوفال شطاينس، فقد رحب هو أيضاً بالاتفاق الجديد باعتباره «يربط دول محور السلام بواسطة بنية تحتية إقليمية مشتركة للغاز. هذه المرة الأولى التي تربط فيها بنية تحتية ذات أهمية جيوسياسية إسرائيل بجاراتها».

ملابسات الصفقة
في عام 2015، اكتشفت شركة «إيني» الإيطالية حقل «ظُهر» المصري الذي يُعَدّ اليوم أكبر حقل غاز في البحر المتوسط، وقد بدأت القاهرة، بالفعل، باستخراج الغاز، مع تطلعاتها إلى تحقيق الاكتفاء الذاتي في نهاية العام الحالي. «ظُهر» وُصف بأنه «أضخم» اكتشافات الغاز العالمية في السنوات الأخيرة، ولا سيما أنه يحوي احتياطات تُقدَّر بثلاثين تريليون قدم مكعبة من الغاز. ما سبق، هو تسلسل منطقي للاكتشاف، أمّا غير المنطقي، فهو الاتفاق الذي بموجبه تصدّر الشركتان الأميركية والإسرائيلية الغاز من حقلَي «تمار» و«لفيتان» الإسرائيليين إلى مصر. فهل الأخيرة بحاجة إليه، مع أنها تملك أكبر الحقول في المتوسط؟
العوامل التي دفعت الطرفان لإبرام الصفقة «الهائلة» عديدة، أهمها أن إسرائيل لديها كميات هائلة من الغاز الطبيعي التي لا بد من أن تجد مخرجاً لتصديرها. كما أنه ليس أمام تل أبيب سوى القاهرة بصفتها البوابة الوحيدة لتصدير الغاز الإسرائيلي، سواء لمصر أو عبرها إلى الخارج. والسبب هو أن الأخيرة هي الوحيدة في المنطقة التي تمتلك محطات إسالة الغاز الموجودة في دمياط، والتي لا تستطيع إسرائيل بناء مثلها نظراً الى عدم توفر موقع جغرافي ملائم، فضلاً عن التكلفة الاقتصادية العالية. وبالتالي، عبر محطة دمياط فقط، يمكن لإسرائيل تصدير الغاز إلى أوروبا، أو للسوق المحلي المصري.
وعلى هذه الخلفية، اعتبر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الصفقة بأنها «يوم عيد بالنسبة الى إسرائيل»، قائلاً إن «الاتفاق سيدخل إلى خزينة الدولة مليارات الدولارات، ما سيسهم في تعزيز الأمن والاقتصاد والعلاقات الإقليمية».
صحيح أن الاتفاق خرج إلى النور، أمس، لكن جذوره تعود إلى عام 2014 عندما طلبت شركة «دولفينوس هولدنجز» للطاقة، والمملوكة لرجل الأعمال المصري، علاء عرفة، توقيع خطاب نيتا لتصدير الغاز الإسرائيلي إلى مصر. لكن ذلك لم يكن ممكناً قبل انتهاء قضية التحكيم الدولي ضد هيئة البترول المصرية والشركة المصرية للغاز الطبيعي. وفي تفاصيل هذه القضية، التي بدأت عام 2012 عندما تعرضت أنابيب نقل الغاز في سيناء لست عمليات تفجيرية، أن مجموعة «غاز شرق المتوسط» حركت قضيتي تحكيم دولى ضد القاهرة، الأولى أصدرت فيها غرفة التجارة الدولية في جنيف حكماً في كانون الأول/ ديسمبر 2015 يقضى بإلزام وزارة البترول من خلال الشركة القابضة للغازات الطبيعية «إيجاس»، والهيئة العامة للبترول، بدفع تعويض لمجموعة «غاز شرق المتوسط» بقيمة 288 مليون دولار. أما القضية الثانية لمجموعة «غاز شرق المتوسط»، فقد طالبت فيها الأخيرة الحكومة المصرية بدفع تعويض قيمته 8 مليارات دولار نتيجة توقف نقل الغاز المصرى لشركة كهرباء إسرائيل.
ونتيجة للصفقة الجديدة، تخلّت «غاز شرق المتوسط» عن قضايا التحكيم أخيراً، من دون أن تُلزم القاهرة بدفع تعويضات لها. وستتوزع قيمة الصفقة أولاً بالمناصفة (370 مليون دولار) بين «ديلك» و«نوبل انرجي»، ثم تحصل شركة «غاز الشرق» المصرية على حصة قيمتها 148 مليون دولار. كذلك، سيتوزع هيكل ملكية الشركة المالكة لخط الغاز «غاز شرق المتوسط)، بواقع 39% لشركة «EMED» (المملوكة لنوبل انرجي وديليك وغاز الشرق)، و25% لشركة PTT التايلاندية، و17% لشركة مملوكة لرجل أعمال تركي هو علي إفسين، و9% لشركة «غاز الشرق» المصرية، و10% فقط للهيئة العامة للبترول.

حلقة مفقودة
«مصر وضعت قدمها في أكبر اقتصادات المتوسط وأصبحت مركزاً إقليمياً للطاقة في الشرق الأوسط، وهذا له إيجابيات كثيرة جداً». هذا ما قاله الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، في شباط الماضي. كان ذلك قبل أن يضيف بالعامية المصرية، تصريحاً أقل ما يأتي في حقه أنه متناقض، حيث قال: «أنا عارف إنكم بتسألوا إزاي افتتحنا حقل ظهر وقلنا عندنا اكتفاء ذاتي وبعدين بنستورد من إسرائيل. ولكن الحقيقة عكس ذلك تماماً». فما هي الحقيقة إذاً؟ ولماذا تستورد مصر غازها من إسرائيل وهي التي تصدر للأردن؟ وعلى سيرة الأخيرة، يُذكر أنها هي أيضاً أبرمت عبر شركة الكهرباء الوطنية، في 26 أيلول من عام 2016، صفقة مع «نوبل إنرجي» التي تشغل حقل «لفيتان» لتستورد بموجبها الشركة الأردنية، الغاز الإسرائيلي لمدة 15 سنة، اعتباراً من عام 2019، وبكلفة إجمالية للصفقة تبلغ 10 مليارات دولار.