ترفض إثيوبيا مُجمل الاتفاقات السابقة الموقّعة في شأن مياه النيل
عام 1993، أي إبان الاستقلال الوطني لكلّ من مصر وإثيوبيا، على عكس الصفة التي حملتها أطراف اتفاقية 1902، وُقّع بين الدولتين اتفاق حمل التزاماً إثيوبياً مباشراً بالنصوص نفسها التي وردت في اتفاقية «1902»، لجهة التمنّع عن مشروعات أو إشغالات على النيل الأزرق وفروعه يكون من شأنها التأثير في المياه الواصلة إلى السودان ومصر، سواء كميتها أو نوعيتها أو زمن تدفقها، الأمر الذي يعني أن أديس أبابا يفترض أن تحترم الموسم الزراعي في مصر، وإجراءات الأخيرة في تخزين المياه في سدودها المختلفة لوضع مخططها الزراعي والاقتصادي، باعتبار النيل المصدر الوحيد الذي تأخذ منه حاجتها للزراعة والصناعة والشرب، وحتى لحركة النقل النهري وما يرتبط بها من سياحة. آنذاك، مثّل «1993» مرحلة جديدة في العلاقات المصرية - الإثيوبية، كان يمكن أن تضع الطرفين على أعتاب برامج تعاون واسعة تُنهي جميع الحساسيات وتساعد على بلورة نواة للتعاون الإقليمي في بقية حوض النيل الأزرق، بل حوض النيل أجمع، لكن الظروف التي تلت الاتفاق لم تكن مؤاتية، ولاسيما بسبب إهمال الرئيس المخلوع، حسني مبارك، للملف الأفريقي، وامتناعه عن التصديق على هذا الاتفاق. على أن مبارك لم يكن المخطئ الوحيد، إذ أن إثيوبيا انخرطت بعدها في علاقات وثيقة مع السودان الذي اتُّهم بالتورط في محاولة اغتيال مبارك في أديس أبابا.
ترفض إثيوبيا مجمل تلك الاتفاقات: «1929» لأنها لم تكن طرفاً فيها كما تقول، و«1959» باعتبارها تخصّ مصر والسودان، ولذلك ترى في «الفيتو» المصري على استغلالها المياه تعطيلاً لقدرتها على الحصول على دعم دولي لتنفيذ مشاريع تنموية، وهو ما جعلها تنظم تحركاً جماعياً مع دول حوض النيل لمواجهة مصر، تجلّى عام 2009 في تزعّمها التوقيعات المنفردة على «اتفاقية عنتيبي» (وقّعت عليها إثيوبيا وأوغندا ورواندا وتنزانيا وكينيا، وهي تناقض اتفاق 1929 كلياً). في المقابل، تقف مصر في موقف صعب بسبب الهوّة الكبيرة بين حصتها الحالية من الماء وبين الزيادة السكانية فيها، والتي جعلت البلاد رسمياً تحت خطر «الفقر المائي»، وهو ما فرض مرونة على المفاوض المصري في شأن المشروعات المائية التي تمكن إقامتها. وكان أحد تجليات تلك المرونة تجربة «سدّ روفيجي» الذي تنفذه شركة «المقاولين العرب» المصرية في تنزانيا، إذ وضع حجرَ أساسه رئيسُ الوزراء المصري، مصطفى مدبولي، بعدما نجحت حكومته في إقناع نظيرتها التنزانية بإقامة السدّ وتنفيذه بخبرات ومساعدات مالية وتقنية مصرية، بشرط أن يُبنى بعيداً عن النيل، مع وعد من السيسي بزيارة السدّ للمشاركة في افتتاحه خلال حزيران/ يونيو 2021 كمثال على التعاون المائي.