الحديث عن التنمية في سيناء يحمل ميراثاً من الأكاذيب ممتدّاً من عهد أنور السادات حتى عبد الفتاح السيسي. ما تحقق على الأرض أقلّ بكثير ممّا وعدت به الأنظمة المختلفة. حتى نظام السيسي الذي يقول إنه أعطى أولوية لسيناء، يعلن مخصّصات مالية غالبيتها لا تصل إليها، ثم تأتي نهاية عام الموازنة وتعود الأموال إلى خزانة الدولة مجدداً! عملياً، تتركّز التنمية في الجنوب وبعض مناطق الوسط التي يجري العمل على مشروعات عديدة فيها حالياً، من بينها عمارات سكنية وأخرى سياحية، بعدما عمد الجيش إلى إنشاء فنادق، منها فنادق في مدينة طابا تستقطب بشكل رئيس السياح الإسرائيليين الذين يحق لهم بموجب «اتفاقية السلام» دخول سيناء من دون تأشيرة.هذا ما يثبت أن النظام لا يعمل على تنمية من دون بحث عن فائدة، ما يعني أنها استثمار رابح عنده قبل كلّ شيء. والتنمية لديه ليست بتوفير فرص عمل، بل ما ينفذه هو مجرد مشاريع طرق وفنادق، ومطار لخدمة السياح. ومن ذلك أيضاً مخطط للاستفادة سياحياً من منطقة سانت كاترين وسط سيناء (على رغم المخاوف الأمنية منها لوجود مناطق جبلية وعرة فيها) يضطر الجيش إلى التغاضي عن مخالفات عديدة للبدو هناك، في مقدمتها زراعة المخدرات، من أجل الاستفادة منهم في تأمين المنطقة. عملية التأمين للغالبية العظمى من المناطق ناجحة حالياً بفضل الانتشار الأمني المكثف، والإجراءات المشددة المتبعة في التفتيش خلال الدخول إلى شبه الجزيرة والخروج منها، ولا سيما مدينة شرم الشيخ التي صارت تشبه المنتجع المغلق، فلا يسمح بالدخول إليه إلا بإجراءات استثنائية وغير مسبوقة. أما حصاد التنمية، فلا يمسّ السكان مباشرة، وإنما العاملين في قطاع السياحة الذين استفادوا من اهتمام الدولة بتأهيل الطرق وتطوير المستشفيات أكثر من الأهالي المقيمين خارج نطاق مناطق التطوير. وتبقى الإشكالية الأساسية إغفال حق البدو في الاستفادة من التنمية، سواء على مستوى التعليم أم الخدمات الطبية الجيدة، بسبب نقص الإمكانات وغياب الحوافز المالية للكوادر كي يقيموا في هذه المناطق التي تُصنَّف نائية.
منذ عهد أنور السادات حتى اليوم لم تشهد سيناء وأهلها سوى الوعود


على الورق، خصّصت الحكومة مليارات الجنيهات. ففي موازنة العام الحالي وحدها، هناك 316 مليون دولار (5.20 مليارات جنيه) لتنمية سيناء، الجزء الأكبر منها للشمال، لكن ما يحدث أن هذه المخصّصات لا تنفق في مواعيدها، وجزءاً مما تقرّر منها للعام المالي الحالي هو نفسه من العام الماضي، ولكن لم يُستفَد منها، بما في ذلك أموال كانت مُوجّهة إلى إنشاء مدينة رفح الجديدة. هكذا، ستّ سنوات من مواجهة الإرهاب لم تكن كافية لتأمين المنطقة التي هجرها الآلاف وعاشوا خارجها، بل إن الجيش المنتشر بكثافة في الشوارع غير قادر على تأمين عمال مدنيين في أكثر من موقع، وهو ما دفع إلى وقف أيّ أعمال تنموية في رفح الجديدة والشيخ زويد وكذلك العريش، إلا في المناطق المكتظة بالسكان. وبهذه الحجة أيضاً، أوقف الجيش العمل في أكثر من مشروع، ومنها التي يعتزم بنفسه بناءها، لتصير مدن الشمال وحدها تقريباً لا تشهد أيّ بناء سوى للمتاريس والحواجز. وحتى الجامعة الخاصة الوحيدة في العريش أغلقت أبوابها ونقلت الدراسة إلى فرع آخر.