القاهرة | بعد أسابيع من الحديث عن إصلاحات سياسية من داخل النظام المصري عقب ذروة الاحتجاجات التي انطلقت بسبب الفيديوات التي نشرها المقاول محمد علي، وكشف فيها عن فساد كبير يشوب أعمال الجيش، جُمّد كلياً أي حديث عن مطالب إصلاحية، في وقت زادت فيه القبضة الأمنية بصورة كبيرة في الشارع لمنع أي احتجاجات محتملة. وبرغم استمرار منع الأحزاب من ممارسة أي نشاط أو حتى تنظيم اجتماعات صغيرة، فإن الدولة ضاقت ذرعاً بمبادرة وحيدة طرحها النائب المعارض أحمد طنطاوي الذي هُدّد من قبلُ بإسقاط عضويته بعد مشاركته مع آخرين في اجتماعات قبل أشهر، ليُلقى القبض آنذاك على مساعده، إضافةً إلى شخصيات أخرى؛ منهم المحامي زياد العليمي والصحافي حسام مؤنس، في القضية التي عرفت بـ«خلية الأمل»، وقد حمى طنطاوي حتى الآن حصانته البرلمانية.فبعد يوم واحد من طرح مبادرته، وافق رئيس البرلمان، علي عبد العال، على إحالة طنطاوي على «لجنة القيم» بتوقيعات 90 نائباً، قائلاً: «هناك خطوط حمر ممثلة في الوطن والقيادة السياسية والجيش والشرطة؛ من يتناول الوطن أو القيادة السياسية بالسلب لا مكان له في مصر عموماً، وعليه أن يذهب إلى بلد آخر». ووفق الفصل الخامس من لائحة البرلمان، بإمكان اللجنة أن توقع على النائب عقوبة الحرمان من حضور ما يزيد على عشر جلسات بل حتى نهاية دور الانعقاد، أو إسقاط العضوية في حال تهديد رئيس الجمهورية أو رئيس مجلس النواب، وسط توقعات بالعقوبة الثانية لحرمان طنطاوي من الترشح مجدداً في انتخابات العام المقبل.
مبادرة طنطاوي تتضمن تشكيل 12 لجنة من البرلمان، يكون نصف أعضائها من المعارضين والنصف الآخر من المؤيدين، على أن تخرج هذه اللجان بتقرير نهائي يمكن تنفيذه لتحقيق «انتقال سلمي للسلطة» بحلول 2022، وهو الموعد الذي كان يفترض أن يغادر فيه عبد الفتاح السيسي الرئاسة قبيل التعديلات الدستورية الأخيرة التي أُقرت في الخريف الماضي وتضمنت تمديد ولايته حتى 2024 مع أحقيّته في الترشح استثنائياً لولاية ثالثة تنتهي في 2030. وطالب طنطاوي بأن تراجع «لجنة الإصلاح الدستوري» التعديلات الأخيرة مع وضع مقترحات لتعديل النظام الانتخابي للبرلمان، بما يسمح بـ«فرص تمثيل عادلة لجميع التيارات السياسية عن طريق نظام القوائم النسبية بدلاً من انتخاب الأعضاء بنظامَي القائمة والفردي»، كما طالب بمراجعة جميع الإجراءات الاقتصادية ومدى جدوى أو أولوية بعض المشروعات العملاقة.
أكثر من ذلك، اقترح النائب المهدّد مراجعة الموازنة العامة للدولة لإيجاد حل لمشكلة تخصيص أكثر من نصف الإنفاق العام لخدمة الدين، مع تفعيل مبدأ وحدة الموازنة، أي أن تكون الإيرادات والمصروفات كافة في موازنة واحدة. ومن جهة أخرى، طالب بمراجعة «لجنة مكافحة الفساد» بعض التشريعات المهمة مثل قانون حماية المبلغين والشهود. كذلك، تطرق إلى ضرورة أن توقف «لجنة الإصلاح السياسي» تطبيق حالة الطوارئ، والإفراج بعفو عام عن كل المسجونين في قضايا لا تتعلق بممارسة العنف أو التحريض عليه، والمراجعة الجدية لمسألة الحبس الاحتياطي. وفي ما يمس الأزمة الأخيرة، اقترح طنطاوي إنشاء لجنة لمراجعة التشريعات المثيرة للجدل مثل قوانين الخدمة المدنية والتعاقدات الحكومية والإسناد بالأمر المباشر الذي فتح أبواب الفساد، فضلاً عن لجنة أخرى لمراجعة الاتفاقات الدولية محل الخلاف، وفي مقدمتها «ترسيم الحدود البحرية مع السعودية».
تأتي خطوة البرلمان بحق النائب المعارض في وقت تسود فيه الضبابية بشأن موعد انتهاء المجلس الحالي. فهذا البرلمان بدأ انعقاده في 10/1/2016، ويجب أن ينهي ولايته في التاسع من الشهر الأول من عام 2021، ما يتعارض مع النص الذي يحدد بداية دور الانعقاد بالأسبوع الأول من تشرين الأول/ أكتوبر، وينهيه في آخر حزيران/ يونيو، وهو النص الذي يفضّل النواب الأخذ به لإجراء الانتخابات خلال الصيف المقبل بدلاً من إجرائها في الشتاء المقبل. ومهما يكن، وتنفيذاً لتوجيهات السيسي باستجواب الحكومة أمام البرلمان الذي لم يسجل استجواباً واحداً لأي وزير منذ انعقاده، تعهد عبد العال بـ«ممارسة البرلمان جميع أدواته الرقابية، وتفعيل الاستجوابات ضد وزراء الحكومة، على أن تجرى المناقشات وفقاً للمواعيد المحددة لها».