للمرة الأولى، يعلن الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، رفضه مقترحاً لذراعه اليمنى، وزير المخابرات العامة اللواء عباس كامل. صحيح أن «الجنرال» لم يصرّح باسم مدير مكتبه، لكن كلامه خلال إحدى جلسات «منتدى شباب العالم» عَكَس بوضوح حالة الارتباك داخل دوائر صنع القرار. فخلال اللقاءات المتعدّدة في المنتدى الذي اختُتمت فعّالياته أمس، أعلن السيسي رفضه أن تكون التعيينات في الجهاز الإداري للدولة من خرّيجي «الأكاديمية الوطنية للتدريب» التي أسّسها كامل ومساعده المقدّم أحمد شعبان، وتخرّج منها شباب «البرنامج الرئاسي» الذين حصلوا فيها على امتيازات غير مسبوقة مقارنةً بنظرائهم.امتيازات الأكاديمية شملت أيضاً الشباب المُعيّنين أصلاً في الجهات الحكومية، والذين مع ذلك التحقوا بها. هؤلاء حصلوا على ترقية سريعة، وتم توزيعهم على البرامج التدريبية المتعدّدة التي أُلحقوا بها داخل مبانٍ موزّعة في القاهرة الكبرى، بداية من مبنى قرب قصر الرئاسة في ضاحية مصر الجديدة، وصولاً إلى مقرّ الأكاديمية الذي بُني في ضاحية الشيخ زايد وبجواره فندق يقيم فيه المغتربون من هؤلاء مجاناً. أما غير الحكوميين، فحصلوا على فرص أكبر من غيرهم، باختيارهم المنح التي يرغبون في الحصول عليها بدعم من وزارة التعليم العالي، وفعلاً سافر عدد منهم إلى بريطانيا وكندا، وبخاصة الأطباء، مع دعوات سفر سنوية لحضور الفعّاليات الرئاسية للشباب التي ينظمها زملاؤهم في شرم الشيخ أو القاهرة.
يعكس كلام الرئيس بوضوح حالة الارتباك داخل دوائر صنع القرار


على أيّ حال، لا يمكن النظر إلى كلام السيسي من دون التدقيق في ما جرى داخل المنتدى خلال الأيام الثلاثة الماضية. فكامل، صاحب فكرة المنتدى، جلس إلى جوار الرئيس في غالبية الجلسات بظهور لا يتناسب مع شخصية مدير المخابرات الذي يُفترض أنه قليل الخروج إلى العلن، لكن ذلك كما تنقل مصادر كان بناءً على رغبة من اللواء الذي عمل مع الرئيس منذ نحو 20 عاماً، كأنه يؤكد بهذا بقاءه في منصبه على رغم الأحاديث المتعدّدة عن استبعاده قريباً بسبب تقديرات مواقف كانت غير صائبة في إدارة ملفات عدّة. مشهد آخر في المنتدى عكس تجاهل السيسي لمقترحات وزير المخابرات الذي شنّ حرباً ضروساً على مكتب «BBC» في القاهرة خلال الأسابيع الماضية. فمديرة المكتب، الإعلامية صفاء فيصل، جلست في الصف الأول خلال اللقاء بين الرئيس وممثلي وسائل الإعلام الأجنبية، والذي استمرّ لساعة أجاب فيها السيسي عن تساؤلات الإعلاميين الأجانب في تقليد يجري للمرة الثالثة. هكذا، جلست فيصل وفق ترتيب الرئاسة بين وزيرَي الخارجية سامح شكري، والهجرة نبيلة مكرم، فيما جلس خلفها رئيسة «الهيئة العامة للاستعلامات» المسؤولة عن التعامل مع الإعلام الأجنبي، ضياء رشوان، وهو مشهد لافت أثار استغراب الحضور، خاصة أن موقع «BBC» محجوب في البلد منذ أسابيع بتعليمات من كامل.
اللافت أيضاً أن تنظيم المؤتمر من قِبَل الرئاسة، وعبر مدير مكتب الرئيس اللواء محسن عبد النبي، عكس حضوراً واضحاً لخليفة كامل في منصبه القديم (إدارة المكتب)، إذ أعيد ترتيب الدعوات ليكون الحضور الأكبر من الإعلام الأجنبي والعربي وليس المصري، بينما أدار جلسة الإعلاميين شريف عامر المعروف بحياده وابتعاده عن دائرة الإعلاميين المُطبِّلين للنظام. يبدو الأمر هذه المرة كاشفاً لكثير من الخلافات المرتبطة، ليس باللواء كامل واللواء عبد النبي فقط، بل أيضاً بـ«الغضب» من إدارة ملف الإعلام وغيره من الملفات التي أخفق فيها وزير المخابرات ومدير مكتبه شعبان، الذي استُبعد مع نجل السيسي، محمود، من المشهد أخيراً.