القاهرة | أنهت إثيوبيا المرحلة الأولى لتخزين المياه في «سد النهضة» بحجز نحو 4.8 مليارات متر مكعب خلال الأيام الماضية، وهي الكميات التي لن تصرف إلى دولتَي المصبّ، مصر والسودان، بعد انتهاء موسم الفيضان، في خطوة تأتي بعد التأكد من التعمد الإثيوبي لإغلاق بوابات السد لساعات خلال ذروة الفيضان في الأسابيع الماضية، وذلك لتخزين المياه ومنع مرور الكميات المعتادة، والهدف تخزين أكبر كمية في أقصر وقت. هكذا، برغم مخالفة أديس أبابا تعهداتها السابقة ألّا تتخذ أيّ قرارات أحادية الجانب، فإن الواقع، كما تسرد التقارير الرسمية لدى الجهات السيادية المصرية، يؤكد مخالفة هذه التعهدات.المتضرر الأكبر حالياً هو السودان، إذ وصلت آثار تخزين المياه بوضوح إلى جزيرة «توتي» في العاصمة الخرطوم، إضافة إلى أراضٍ زراعية بمحاذاة نهر النيل، الأمر الذي اضطر المزارعين إلى الاستعانة بروافع للمياه بعدما تراجعت تدفقات المياه بصورة كبيرة خلال الأيام الماضية. الموقف في مصر لم يكن أفضل حالاً من السودان، لكن مع فارق، فللمرة الأولى منذ سنوات، تضطر «المحروسة» إلى استخدام كميات من المياه المخزنة في بحيرة ناصر في السد العالي، التي وصل فيها التخزين إلى ذروته العام الماضي، لكن مع مراعاة الإجراءات التي من شأنها ترشيد الكميات المستخدمة في الزراعة، ولا سيما تحديد كميات زراعة الأرز، بجانب استعداد الحكومة لتعديل قانوني يغلظ عقوبة إهدار المياه.
مقابل الخطوات الإثيوبية المتسارعة، لا توجد تحركات مصرية أو سودانية مماثلة. ولأن الخرطوم هي الأكثر تضرراً، أمر رئيس الوزراء السوداني، عبد الله حمدوك، بتشكيل لجنة لمتابعة كميات المياه. وبينما يطالب بلدا المصب باتفاق ملزم وواضح، تؤكد إثيوبيا أنها لا تقبل اتفاقاً من هذا النوع، الأمر الذي ينسف مسألة التفاوض من الأساس. فبرغم اتفاق القمة الأفريقية المصغرة على استمرار التفاوض، فإن موعد استئناف المفاوضات لم يحدد، وذلك بانتظار قرار من الاتحاد الأفريقي. كما لا يوجد إلزام بموعد محدد لإنهاء المفاوضات، الأمر الذي يثير مخاوف مصرية من استمرار سياسة الأمر الواقع الإثيوبية. حتى لو كانت القاهرة قادرة على تحمل تبعات تخزين المياه بصورة منفردة في «النهضة» خلال العام الجاري، فإنها لن تستطيع تحمل التأثير إذا استمر الوضع على ما هو عليه، في ظل أنها كانت تحصل على حصة أكبر من المقررة في الاتفاقات الدولية، بحكم أنها دولة المصب الأخيرة.
تتشدّد القاهرة في إجراءات الترشيد مع توجّه لإصدار قانون عقوبات


هكذا، تبدو الرغبة الإثيوبية واضحة في الوصول إلى اتفاق «إرشادي» فقط، في الوقت الذي فتحت فيه المفاوضات الجارية مع الاتحاد الأفريقي ملفاً آخر شديد الحساسية، يرتبط بالمشروعات التي تقام على النيل، الأمر الذي يعني إطالة أمد التفاوض، جراء إخفاق البلدان الثلاثة في الوصول إلى اتفاق حول «النهضة» وحده على مدار عشر سنوات! من جهة أخرى، ومع أن السودان انحاز أكثر من مرة، ولا سيما تحت حكم عمر البشير، إلى الموقف الإثيوبي، فإنه اليوم أكثر إصراراً على سرعة الانتهاء من المفاوضات، جراء تضررها المباشر والسريع من الخطوات الإثيوبية، علماً بأن المفاوضات التي يرعاها الاتحاد الأفريقي تسير في اتجاه سياسي، فيما تفرض إثيوبيا سياسة الأمر الواقع قبل المفاوضات وخلالها.
في المقابل، تنقل مصادر مصرية أن الدولة تصر على «سياسة النفس الطويل»، كما أنها «لن تدخل في السجالات التي يحاول الإثيوبيون جرّنا إليها عبر التصريحات الاستفزازية التي تصدر من بعض المسؤولين... تتواصل الاجتماعات بين الخارجية والري والمخابرات لصياغة رؤية موحدة للتعامل مع الأزمة جراء المعطيات الجديدة». تقول المصادر: «مصر بدأت العمل على عدة محاور من دون إعلان رسمي، من بينها التواصل المباشر مع مجلس الأمن والدول الأعضاء فيه، والبحث عن آلية لإثبات المساعي الإثيوبية للإضرار بالمصالح المصرية، وخاصة مع رفضهم مقترحات مصرية بالمساعدة في توفير كميات من الكهرباء توازي ما سينتجه السد في حال تأخّر ملئه... هناك نقاشات أيضاً مع الأوروبيين حول السد وأضراره لاستصدار عقوبات على أديس أبابا».