القاهرة | دخلت الوساطة الأفريقية في أزمة «سدّ النهضة» نفقاً مظلماً مع تعثّر التوافق بين الدول الثلاث، مصر وإثيوبيا والسودان، وانتهاء الموعد الذي كان يفترض أن يُقدَّم فيه تقرير عن المفاوضات إلى رئاسة جنوب أفريقيا، بوصفها الرئيس الحالي للاتحاد، يوم الجمعة الماضي، وسط تحرّكات دبلوماسية سرّية بين الأطراف المتفاوضة. وبينما طلبت الخرطوم رسمياً تصعيد المفاوضات لتكون على مستوى رؤساء الحكومات بعد تعثّر الوصول إلى اتفاق، كشفت مصادر مصرية في حديث إلى «الأخبار» تفاصيل مهمّة حول جلسات التفاوض الأخيرة التي اقتصرت على وزراء الريّ من دون مشاركة وزراء الخارجية.تتحدّث المصادر عن «استمرار المماطلة الإثيوبية في ما يتعلّق بوضع الضوابط»؛ إذ خالفت أديس أبابا ما يَرِد في الاتفاقات بعد التوقيع عليها، وهي «تطلب من الفنيين اتخاذ قرارات سياسية، في أمر لا يمكن قبوله». وتقول المصادر: «اشتراط إثيوبيا منذ البداية عدم تدخّل المراقبين في المفاوضات قلّص جهودهم بوضوح، ليجعلهم مكتفين بدور المشاهدين الذين لم يتمكّنوا من التدخل الفعلي وتقريب وجهات النظر». وطبقاً للمسار الجاري، ستُقدّم الدول الثلاث المسودات التي تراها مناسبة من وجهة نظرها، وسط تشابه كبير بين المسودة المصرية ونظيرتها السودانية، واختلاف الإثيوبية عنهما، في ظلّ توقعات بأن تطالب الأخيرة بمنع أيّ آليات ملزمة في الملء والتخزين، مع الاكتفاء بكونها آليات استرشادية، وحتى في تسوية الخلافات التي يمكن أن تنشأ مستقبلاً.
لن تُقدِم القاهرة على خطوة في مجلس الأمن قبل ظهور نتائج الانتخابات


وعلى رغم وجود طلب سوداني آخر رسمي بوضع جدول زمني للمفاوضات كي لا تبقى بلا نهاية، تَتّجه الأمور إلى مزيد من التعقيد جرّاء رفض إثيوبيا التقيّد بأيّ إجراءات أو عقوبات. لكن مصر تعتقد أن الوضع قد يَتغيّر كلّياً بعد الانتخابات الإثيوبية، لذا فهي «تنتظر هذا الاستحقاق بحذر وترقّب». كما أنها لم تعُد تعوّل على الموقف الأميركي خلال هذه المرحلة، خاصة مع الانغماس في سباق الانتخابات الرئاسية. في هذا الوقت، طلبت السفارة الإثيوبية لدى واشنطن إيضاحات رسمية حول القرار الأميركي تعليق 130 مليون دولار من المساعدات لإثيوبيا على خلفية تعرقل المفاوضات في شأن السدّ. وهي خطوة نُشرت عنها تقارير أميركية عدّة ودعمتها مصادر مصرية، وذلك بعد رفض أديس أبابا التوقيع على مخرجات اجتماعات واشنطن التي جرت برعاية الرئيس دونالد ترامب على مدار أربعة أشهر الخريف الماضي.
في غضون ذلك، تنقل المصادر نفسها أن السلطات المصرية تواصل التنسيق السرّي والمعلَن تمهيداً للتصعيد الدولي أمام مجلس الأمن أو جهات أخرى خلال الأشهر المقبلة، وسط تحرّكات لحشد مزيد من الأطراف الداعمة لموقف مصر، خاصة من قِبَل السودان وجنوب السودان، وهو السبب الرئيس في اهتمام القاهرة المتزايد بتعزيز التعاون مع البلدين الآن، بل بصورة تكاد تكون غير مسبوقة على جميع المستويات. كذلك، يُفترض أن يدعو الرئيس الجنوب أفريقي، سيريل رامافوزا، إلى قمّة تضمّ رؤساء الدول الثلاث، إلى جانب مفوّض الاتحاد الأفريقي، في محاولة أخيرة لإنجاح الوساطة الأفريقية التي في حال فشلها سيُحال الملف إلى مجلس الأمن، علماً بأن هناك «رغبة حقيقية» لدى الاتحاد في إنجاح المفاوضات، وسط توقعات مصرية بأن تكون الإحالة إلى المجلس بعد الانتخابات الأميركية.

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا