القاهرة | في سابقة خلال حكم عبد الفتاح السيسي، تَحوّل وزير الدولة للإعلام، الصحافي أسامة هيكل، إلى متّهم بـ«الخيانة» في الإعلام الحكومي، وكذلك الخاص الذي تسيطر عليه المخابرات كلياً. وكان هيكل قد عُيّن في خضمّ صراع الأجهزة، وصار وزيراً بلا حقيبة في الحكومة، لكنه الآن بات معزولاً عن مهمّاته الغامضة التي لم تُحدَّد حتى اليوم. وجاء التعيين العام الماضي وفق صلاحيات رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة، وقد اختير له هيكل الذي عمل في صحيفة «الوفد» محرّراً عسكرياً، كما شغل منصب وزير الإعلام إبّان حكم «المجلس العسكري» عام 2011. هذا الرجل هو مَن صاغ غالبية القوانين المنظِّمة للعمل الصحافي والإعلامي خلال ترؤّسه «لجنة الثقافة والإعلام» في مجلس النواب، قبل أن يستقيل من البرلمان نهاية العام الماضي لأن الدستور يحظر الجمع بين عضوية أحد المجالس النيابية والمناصب الوزارية.صحيح أن هيكل ابن المؤسسة العسكرية ومصدر ثقتها، لكنه لم يستطع أن يتأقلم مع المتغيّرات أو يتوافق مع القيادات الجديدة التي صعدت إلى الإدارة منذ وصول السيسي إلى الرئاسة في عام 2014، فدخل في صدامات مبكرة مع الجميع، ما جعله وزيرَ دولة للإعلام لا يستطيع الظهور في الإعلام، سواء الخاص أو العام، بل وصل الأمر إلى درجة كتابته منشوراً عبر صفحته على «فايسبوك» يستجدي فيه مقابلة الرئيس، في سابقة هي الأولى من نوعها لوزير، علماً بأن مصدر قوته الوحيد هو علاقته الجيدة بالمشير حسين طنطاوي، الذي يعدّ الأب الروحي للسيسي. لكن هجوم الوزير على الإعلام والصحافة أخيراً، مع الانتقاد المبطّن للمخابرات التي تمثّل المسؤول الأول عن الملف، أعاده إلى الواجهة بصورة غير مسبوقة، إذ صار مادة دسمة للانتقاد، وخُصّصت صفحات في الصحف وساعات تلفزيونية لانتقاده والمطالبة بمحاكمته بتهمة الخيانة، بعدما أدلى بتصريحات اعتبر فيها أن الشباب دون الـ 35 لا يتابعون الصحف والمواقع والقنوات.
بات ابن المؤسسة العسكرية غير مرحّب به وسط المنظومة


هكذا، بات هيكل، الذي عارض أثناء عضويّته في البرلمان سياسة «الإصلاح الاقتصادي» الحكومية وما تبعها من إجراءات لرفع الدعم والاقتراض من «صندوق النقد الدولي» مليارات الدولارات لدعم موازنة الدولة، غير مرحّب به في المنظومة، وسط ضغوط عليه لتقديم استقالته قبيل الإقالة المتوقعة في التعديل الوزاري المرتقب، والمتوقع أوائل العام المقبل مع انتخاب مجلس جديد للنواب. على أن الرجل لم يقف، هذه المرّة، صامتاً في مواجهة ما يتعرّض له من إعلام الدولة. كما أن زوجته، التي أُطيح بها من رئاسة تحرير مجلة قومية تابعة لمؤسسة «الأهرام»، انبرت للدفاع عنه عبر «فايسبوك»، في محاولة لإثبات وقوف المخابرات خلف الهجوم المنظّم عليه، والذي اشترك فيه رؤساء التحرير كافة في توقيت متزامن، وبالعبارات نفسها.
يعيش هيكل أيامه الأخيرة في الوزارة التي يسعى إلى الخروج منها بأقلّ الخسائر، بعدما أخفق في أن يكون صاحب قرار. وفيما يقول معارضوه إنه يكتفي بالحديث النظري، يؤكد الواقع أن صلاحياته لا تمنحه قدرة على التدخل في اختصاصات الهيئات المسؤولة عن إدارة الإعلام. والمضحك المبكي أن الذي أقرّ قوانين الهيئات المختلفة ومَنَحها صلاحيات واسعة، هو نفسه اليوم الذي يعاني من نفوذ رؤسائها بعد استبعاد جميع الأسماء التي رَشّحها من التعيينات، واختيار آخرين معارضين له، ولديهم رغبة في إقصائه كلياً.
أمّا المفارقة «التراجيكوميدية» في صراع الأجهزة، فهي أن هيكل بات أول وزير في تاريخ الدولة يُتّهم بـ«الخيانة» مع استمراره في منصبه، بل حضوره جميع الفعاليات إلى جانب الرئيس، علماً بأن هذا الاتهام لم يأتِ من شخصيات موالية للنظام فقط، بل من مسؤولين في الهيئات الإعلامية المختلفة، وسط تحرّكات لتسريع إقصاء هيكل حتى قبل التعديل الوزاري. هكذا، زُجّ بملفات فساد مالي وتضارب في الحصول على الرواتب من جهات عدّة وشبهات كسب غير مشروع باسم هيكل، لكن لم يثبت أيّ منها حتى اليوم، فيما خرجت بعض الأوراق إلى الإعلام بصورة قد تجعل الرجل يلتزم الصمت لتجنّب «البهدلة» أمام جهات التحقيق بعد الخروج من الحكومة.

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا