القاهرة | بقرار مُبيّت منذ سنوات، في انتظار الوقت المناسب، وبصبغة ديموقراطية مزيّفة أضفاها عليه صدوره في اجتماع الجمعية العمومية غير العادية لشركة «الحديد والصلب» المصرية، أُعلنت، رسمياً، تصفية الشركة التي أَسّسها الرئيس الراحل جمال عبد الناصر قبل 66 عاماً، لتكون الأولى من نوعها في العالم العربي وتؤدي دوراً ليس في بناء السدّ العالي فقط، بل في بناء حائط الصواريخ والنشاط العسكري خلال الحرب. تعود قصة إنشاء الشركة، التي تُعدّ واحداً من المشاريع القومية، إلى عام 1955، عندما صدر قرار تأسيسها في الذكرى الثالثة لـ»ثورة يوليو». آنذاك، وُضع الحجر الأساس للمشروع على مساحة 2500 فدان في منطقة التبين على أطراف العاصمة القاهرة، ليكون «قلعة صناعية» لإنتاج الحديد والصلب، علماً بأنه اشتمل على مدينة سكنية للعمال.بدأت الشركة باكتتاب شعبي، وبرأسمال يصل إلى نحو 21 مليون جنيه، وقد تمّ إنجاز المرحلة الأولى منها في زمن قياسي ارتباطاً بالظروف التي انطلق العمل فيها، ليتمّ التشغيل بعد ثلاث سنوات فقط بتعاون مع شركة «ديماج ديسبرج» في ألمانيا الشرقية، والتي وفّرت التقنيات اللازمة قبل أن يتعلّمها المصريون. كان الاعتماد أساساً على الحديد الخام الذي يُستخرج من المناجم في الواحات البحرية وأسوان، إلى جانب إنتاج كميات كبيرة من السماد الفوسفوري الذي يدخل في صناعة الاسمنت، علماً بأن للشركة أنشطة أخرى؛ بينها توفير أسطوانات الأوكسيجين التي تمّ تحديثها عام 2010 لتوفير احتياجات الدولة من هذا الغاز، لكن تهالك الوحدات وإهمالها جعلاها بلا جدوى.
على عكس التصريحات السابقة عن ضخّ 700 مليون جنيه في الشركة، كما أعلن مجلس النواب قبل سنتين، فإن «الحديد والصلب» صارت من الماضي بقرار الجمعية العمومية الذي لاقى رفضاً حتى من «اتحاد عمال مصر» المدعوم من الدولة. وبينما أوقفت البورصة جميع التعاملات بأسهم الشركة، أقرّت الجمعية العمومية قرار تقسيمها إلى اثنتين: إحداهما للحديد والصلب ستجرى تصفيتها تماماً؛ والثانية للمناجم والمحاجر سيجرى تشغيلها بالشراكة مع القطاع الخاص، وأرجعت ذلك إلى الخسائر المتراكمة، مع أن العمّال ظلّوا يناشدون المسؤولين طوال السنوات السابقة تشغيلهم بدلاً من تقاضيهم أجوراً من دون عمل. وفاقت خسائر الشركة أكثر من 3.5 مليارات جنيه نتيجة الاستمرار في صرف الرواتب من دون تشغيل العمّال أو تحقيق عائدات على مدى خمس سنوات، كانت الحكومة تسعى في خلالها إلى التصفية للحصول على أرض الشركة وتحويلها إلى أنشطة استثمارية، بالاستفادة من موقعها المتميّز حالياً نتيجة التمدّد العمراني.
في تلك السنوات نفسها، واصل النظام الاستثمار في صناعة الحديد عبر مصانع شيّدها، مع استمراره في تجاهل التوصيات في شأن «الحديد والصلب» التي تملكها الحكومة، علماً بأن تهميش الشركة كان منهجياً، ليس بتجاهل تشغيلها فقط، وإنما بإيقاف أيّ خطوات لتطويرها. والآن، يحاول عدد من المسؤولين السابقين في الشركة حماية أصولها حتى لا تتعرّض للنهب، على غرار ما حدث مع الشركات السابقة التي خضعت للتصفية المفاجئة بعد تمهيد لسنوات. كذلك، ثمّة مخاوف حول حقوق العاملين الذين يصل عددهم إلى 7500، معظمهم اقتربوا من سنّ التقاعد نتيجة وقف التعيينات منذ سنوات.