القاهرة | بدأت مصر والسودان وضع اللمسات الأخيرة على خطط التصعيد في مواجهة إثيوبيا، عقب فشل مفاوضات سدّ النهضة، في وقت تتناغم فيه تصريحات مسؤولي البلدين عن الخيارات المفتوحة في الفترة المقبلة، من أجل منع أديس أبابا من الإقدام على مزيد من الخطوات المنفردة. وتدرس القاهرة والخرطوم التوجُّه بإخطار قانوني وسياسي واضح إلى مجلس الأمن الدولي، يتضمّن تنبيهاً إلى أن الملء الثاني لبحيرة السدّ يمثّل تهديداً حقيقياً للسلم والأمن في المنطقة. كما تنويان التأكيد أن جميع التصرّفات الإثيوبية جرت بشكل منفرد، منذ عام 2011، ولم تراعِ أيّ اعتبارات لمصالح مصر والسودان، فضلاً عن إفشال مسار الدراسات الفنّية المرتبطة بالآثار البيئية والاقتصادية للسدّ، بحسب توصيات اللجنة الدولية في بداية المفاوضات.وسيطلب البلدان إجبار إثيوبيا على التوقيع على اتفاق ملزم، والتراجع عن تعنّتها الذي يمكن إثباته عبر محاضر الجلسات المشتركة في التفاوض خلال السنوات الماضية، ولا سيما تلك التي جرت في واشنطن، وكذلك التي جرت برعاية الاتحاد الأفريقي. وسيعملان، أيضاً، على إبراز أن أديس أبابا تريد الانتقاص من حصّة المياه التي تصل إلى مصر والسودان، وتُريد تعريضهما للخطر، ولا سيما في ظلّ وجود مخاوف من انهيار السدّ. وسيُذكّر الخطاب المُوجَّه إلى مجلس الأمن، والذي تجري صياغته بين المسؤولين في البلدين، برفض إثيوبيا عشرات المقترحات لتأمين اتفاقٍ شامل لقواعد الملء والتشغيل الخاصّة بالسدّ، بما لا يتسبّب بضرر للجانبين المصري والسوداني، مع عرض مصر تقديم مساعدات في مجال الكهرباء تضمن تأمين كمّية من الطاقة الكهربائية تعادل ما سيتمّ توليده من المياه خلال فترة الملء الأولى.
وستُبدي مصر قلقاً كبيراً من انهيار السدّ بعد امتلاء خزّانه، نظراً إلى أن كمّية المياه التي سيتمّ تخزينها تصل إلى 74 مليار متر مكعّب، وهي أكبر من الحصّة السنوية التي تصل إليها. ومن ثمّ، فإنّ انهيار السد ووصول هذه الكمية دفعة واحدة في مدى زمني محدود للغاية، ستكون لهما تبعات تؤدّي إلى إغراق السودان والمنطقة الجنوبية لمصر، مع احتمال وصول الأضرار بشكل كبير إلى دولة جنوب السودان. ويتّسق الموقف المصري في هذه النقطة مع الموقف السوداني، الذي عبّر عنه صراحة رئيس الوزراء، عبد الله حمدوك، بتأكيده أن خطر الانهيار أكبر بكثير على بلاده مقارنة بمصر. ونبّه إلى المخاطر الحقيقية التي يشكّلها السدّ إذا لم يجرِ التوصّل إلى اتفاق قانوني ملزم بشأن الملء والتشغيل، مشيراً في الوقت ذاته إلى القلق من تداعيات الملء الثاني على السدود السودانية، خلال الصيف المقبل.
يتضمّن الملفّ المصري ـــ السوداني تأكيداً بالأدلّة أن إثيوبيا تريد بيع المياه خارج دول حوض النيل


في هذه الأثناء، عادت الولايات المتحدة إلى الدخول على خطّ الوساطة، حيث ناقش مستشار الأمن القومي جايك سوليفان، مع وزير الخارجية الإثيوبي ديميكي ميكونن، أزمة السدّ، إلى جانب قضايا عدّة. ويأتي ذلك في وقت لم يحدث فيه تقارب حقيقي في وجهات النظر مع القاهرة، على الرغم من محاولات رئيس الوزراء السوداني إشراك واشنطن بقوة في المفاوضات، في محاولة لتجديد الضغوط التي سلّطها الرئيس دونالد ترامب على إثيوبيا قبل رحيله، وأبطلها الرئيس جو بايدن خلال الفترة الماضية. لكن مصر لم تعد تعوّل كثيراً على الموقف الأميركي منفرداً، وهو ما دفع إلى دعم التوجّه نحو مجلس الأمن، خلال الأيام القليلة المقبلة. ومن هذا المنطلق، يتضمّن الملف الذي يجري إعداده تأكيداً بالأدلة أن إثيوبيا لا ترغب في توليد طاقة كهربائية من السدّ الجديد فقط، ولكن لديها رغبة في إتمام عملية بيع المياه خارج دول حوض النيل، وهو أمر مخالف للقوانين الدولية. كما يحمل الملف بيانات رقمية تشير إلى الفقر المائي وفق المعدّلات العالمية، بسبب الزيادة السكّانية.
وعلى رغم أن القاهرة تلقّت إشارات من أديس أبابا (التي ووجهت برفض مصري ــــ سوداني للتفاوض بشكل منفرد)، عبر وسطاء لم تسمّهم، بالانتظار إلى ما بعد إجراء الانتخابات الإثيوبية مطلع حزيران/ يونيو المقبل، إلّا أنّها رفضتها جملة وتفصيلاً. ويعود الرفض المصري إلى أسباب عدّة، في مقدّمتها أن السيناريو المذكور اختُبر في الملء الأول، فيما لا يبدو أن ثمّة ضمانات بجدّية إثيوبيا في تغيير الموقف بشأن الملء المنفرد. ويضاف إلى ما تقدّم غياب الاتفاق الملزِم بعد الانتخابات التي سيفصل بين موعد إجرائها وبداية التخزين أقلّ من أسبوعين، فضلاً عن استمرار الأعمال الإنشائية على أرض الواقع. كذلك، اقترحت إثيوبيا، عبر أطراف متعدّدة، إمكانية فتح جزء من البوابات الخاصة بالبحيرة بما يضمن تعويض مصر والسودان عن جزء من الفاقد، لكن هذا الأمر ترغب مصر في أن يكون تعهّداً مكتوباً، وليس رهناً بنتيجة الانتخابات.



اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا