أثار تنفيذ السلطات المصرية حُكم الإعدام في حقّ الراهب المشلوح، أشعياء المقاري، المتّهم بقتل الأنبا أبيفانيوس داخل كنيسة وادي النطرون عام 2018، عاصفةً من الغضب في وجه بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية، تواضروس، الذي سبق أن استخدم سلطته الدينية لشلح الراهب في بداية التحقيقات في الجريمة الأولى من نوعها داخل الكنيسة المصرية منذ عقود. وعلى رغم صلاحية رئيس الجمهورية في إرجاء تنفيذ أحكام الإعدام أو حتّى تخفيفها، إلّا أن قرار تنفيذ حكم محكمة الجنايات، والمؤيَّد من محكمة النقض في تموز/ يوليو الماضي، جرى بعد أيّام قليلة من أعياد المسيحيين المحظور فيها قانوناً تنفيذ أحكام بالإعدام. ويقضي الراهب فلتاؤوس المقاري عقوبة السجن المؤبّد لإدانته بالتورّط في الجريمة.عاصفة الغضب في وجه البابا، لم تكن حكراً على المسيحيين، بل انسحبت على المنظمات الحقوقية المختلفة التي أرسلت طلبات إلى رئيس الجمهورية تطالبه فيها بوقف تنفيذ حكم الإعدام، في ظلّ المحاكمة التي شابها الغموض، ولا سيما بعدما قالت أسرة أشعياء المقاري إن اعترافه بارتكاب جريمة القتل جاء تحت التعذيب والتهديد. وسرّب مكتب البابا خبر الإبلاغ الذي وصل قبل أيّام بتصديق الرئيس على عقوبة الإعدام، وهو ما دفع «منظمة العفو الدولية» ومنظمات حقوقية أخرى إلى مخاطبة الرئيس ودعوته إلى تخفيف العقوبة، في الوقت الذي تتزايد فيه تصديقاته على تنفيذ أحكام الإعدام.
تؤكد عائلة الراهب المشلوح تعرّضه لمعاملة قاسية أثناء وجوده في السجن


وبدا لافتاً أن البابا الذي سارع إلى شلح الراهب من مرتبته بعد الجريمة وإعادته إلى اسمه الأصلي، وائل سعد تواضروس، لم يتمكّن من السيطرة على طريقة التعامل مع حكم الإعدام وتنفيذه، بعدما استضاف مطران البحيرة والمدن الغربية ومعلّم البابا تواضروس، الأنبا باخوميوس، عائلة الراهب المشلوح التي أُبلغت بالخبر بعد تنفيذ حكم الإعدام، فيما جرى تكفين أشعياء المقاري بملابس رهبانية بعد حكم الإعدام، ودفنه على طريقة الرهبان. ويقول مسؤولو الكنيسة القبطية إن تحقيقات تجرى في ما يتعلّق بطريقة تغيير مراسم الجنازة وغيرها من التفاصيل التي جرت من دون موافقة البابا، في حين حضر مندوب الكنيسة قبل تنفيذ الحكم دون أن يعرف هويّة من سينفَّذ في حقّه الحكم، حيث جرت العادة أن يتم الإبلاغ من مأمورية السجن عن تنفيذ الحكم دون الإبلاغ عن الاسم.
ولكن ثمّة تفاصيل لا تزال غامضة في القضيّة التي هزّت الكنيسة القبطية، ولا سيما في ما يتعلّق بانقسام الآراء حول جريمة القتل ودوافعها، إذ يشكّك عدد من الآباء في وقوع الجريمة ضمن المسار الذي حدّدته النيابة بعد ساعات من الحادثة، بينما تؤكد عائلة الراهب المشلوح تعرّضه لمعاملة قاسية أثناء وجوده في السجن، فضلاً عن تكرار رفض طلبات زيارته. ما يقوله رهبان في المنطقة الغربية إن الراهب المشلوح تعرّض للتعذيب من أجل الاعتراف بجريمة لم يرتكبها، بل اضطرّ إلى تمثيلها أمام الكاميرات، وهو ما يربطونه بتراجعه عن الاعترافات التي أدلى بها أمام المحكمة، فيما لا يزال الصمت يسود على المستوى الرسمي داخل الكنيسة التي لم تعلِّق، حتى الآن، على تنفيذ حكم الإعدام، على رغم تزايد الانتقادات من داخلها. وعبّر عدد من الشبان الأقباط عن استيائهم ممّا وصفوه برضوخ البابا لتنفيذ تعليمات الأمن، وطالبوا بإعادة فتح ملف آلية اختيار البابا داخل الكنيسة، فيما لم يُصدِر أيّ من الكهنة أو الأساقفة بيانات رسمية للتعامل مع غضب الشباب الذين رأوا في تنفيذ حكم الإعدام تشويهاً لصورة الكنيسة، حتى إنهم وضعوا الراهب المشلوح في مرتبة الشهداء.

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا