على رغم ظهور الرئيس السابق لـ«الشركة المتحدة» والعضو الحالي في مجلس إدارتها، المنتج تامر مرسي، في مناسبات مختلفة، فإن ما حدث معه أكبر بكثير من أن يتحمّله، لدرجة أن حالة الحزن التي كانت تسيطر عليه في المؤتمرات التي شارك فيها، يمكن رصدها بسهولة من خلال عدسات المصورين. فالرجل الذي هيمن على الإعلام على مدى خمس سنوات، وأقصى شركات الإنتاج من السوق المصرية لموسمين قبل أن يُجبِر ما تبقى على الدخول في شراكة مع شركته «سينرجي»، بات اليوم خارج المعادلة بصورة كاملة. صحيح أن خروجه لم يكن مهيناً، لكن الإهانة الحقيقية كانت عودة كل من أغضبهم دفعة واحدة ليس للدخول في شراكات مع «المتحدة» فحسب، بل تسهيل عملهم ولا سيما السعوديين.يتردّد في الكواليس أن اللقاء الذي جمع بين الرئيس عبد الفتاح السيسي، ورئيس «هيئة الترفيه السعودية»، تركي آل الشيخ، قبل أيام من إعلان التغييرات الكبرى، تضمّن إبداء الأخير ضيقه من تصرفات مرسي الذي زاد من الاهتمام بنفسه وبدوره بصورة غير مسبوقة وخاصة خلال آخر عامين، فكان يرافق الفنانين في سهراتهم في الساحل الشمالي ويلتقط الصور التذكارية معهم، بل ويحتفظ لنفسه بحقّ تشغيل فنانين وإقصاء آخرين من المشهد، إلى حدّ منع غالبية الفنانين المتعاقدين مع شركته من العمل مع المنتج صادق الصباح الذي فضّل أن يصوّر وينتج مسلسلات مصرية في لبنان تعرضها mbc بعد التضييق عليه في مصر.
لم يكن تركي راضياً عن طريقة مرسي ورغبته في السيطرة والاستحواذ، فالوزير السعودي الذي ضخّ ملايين الجنيهات في السابق داخل إعلام المخابرات، هو نفسه من سيضخّ المزيد من الأموال ويسهّل التعاون مع مجموعة mbc التي وقّعت بروتوكول تعاون مع «المتحدة للخدمات الإعلامية» بعد يوم واحد فقط من رحيل مرسي. الحرب التي تبنّاها الأخير في مواجهة الكفيل السعودي سبب رئيسيّ في إطاحته من منصبه. فبعد مضايقات على المجموعة السعودية في مصر ومحاولة تقييد استثماراتها، بل التشجيع على خسارتها عدداً من مصادر الدخل؛ بينها المساهمة في قرصنة ما تذيعه، انتهى إلى تعاون ثنائي تكون بموجبه mbc مسؤولة عن تسويق المحتوى المصري عربياً عبر المنصات الخاصة بها، في الوقت الذي يكون فيه المحتوى في مصر من نصيب «المتحدة» وشاشاتها ومنصاتها الإلكترونية!
التعاون مع المجموعة السعودية هو فقط بداية للتعاون مع كثير من الغاضبين، سواء كانوا منتجين أو ممثلين أو حتى مخرجين وكتّاب أقصاهم مرسي على مدى سنوات، فيما كان لافتاً توقُّف الكتائب الإلكترونية التي كانت تدعمه ويشرف عليها الممثّل الشاب عصام السقا الذي كان يسارع إلى إغلاق أي صفحة تسيء إلى تامر وشركته، وتتحدّث عن الاحتكار، مقابل مسؤولية السقا منفرداً عن التسويق الإلكتروني في «سينرجي» بالإضافة إلى ظهوره ممثلاً في عدد من الأعمال الدرامية. صحيح أن البعض تعامل بسخرية مع إعلان «المتحدة» وقف التعاون مع المخرج محمد سامي بعد مسلسل «نسل الأغراب» في رمضان، لكن المفارقة الحقيقية أن هذا العمل تحديداً كان القشة التي قصمت ظهر البعير بعدما تسبّبت نهايته وتحديداً مقتل ضابط الشرطة في ما يخالف ما هو متّفق عليه، ومن ثم إثارة الغضب تجاه المحتوى المقدَّم من «سينرجي»، لتعيد والدة المخرج، النائبة في البرلمان، مبالغ بالملايين لضمان خروج لائق للجميع.
وراء التغييرات أخطاء بالجملة وغضب سعودي


وجرت في إعادة هيكلة «المتحدة» تحوّلات كبيرة، ابتداءً من إعلان اعتزام طرح حصة من أسهم الشركة في البورصة المصرية بنسبة تراوح ما بين 20% إلى 30% بحلول 2024، بما يعني الإفصاح الكامل عن المكاسب والخسائر التي تحقّقها الشركة التي قال القائمون عليها إنها تحوّلت من خسارة 470 مليون جنيه في 2017، العام الذي شهد إقصاء جميع المنافسين، إلى مكاسب في العام الحالي الذي شهد شراكة مع البعض تقدر بـ 260 مليون جنيه، في وقت لم يتقاضَ فيه كثيرون أموالهم حتى الآن. ومن الأخطاء التي ساهمت في إطاحة مرسي، الرغبة في إظهار «المتحدة» باعتبارها ممثلاً عن الدولة، وهو ما لم يكن لائقاً مع ما يقوم به تامر، وخاصة من ناحية وضع اسمه على جميع الأعمال التي يجري تقديمها، فالرئيس الجديد للشركة، رجل البنوك حسن عبد الله، لن يضع اسمه حتى في البيانات الرسمية.
وإن كان إقصاء مرسي متوافقاً مع رغبات كثيرين، فإن خروج الكاتب الصحافي خالد صلاح من رئاسة تحرير «اليوم السابع» بعد نحو 14 عاماً من تأسيس الصحيفة، جاء الخبر الأكثر غرابة وصدمة، ليس لأن صلاح لم يفكّر في الأمر أو يمهّد له فحسب، بل لاعتبارات مرتبطة بالحرب التي تعرّض لها، في الأسابيع الأخيرة، في مواجهة أحد تلاميذه الذي كانت تُسرَّب إليه الأخبار أولاً لينشرها عبر موقع «القاهرة 24» الذي سارع رئيس تحريره إلى نشر خبر إقالة صلاح قبل أن يحذفه ويعدّله بمنصبه الجديد ضمن حرب تصفية الحسابات الدائرة بينهما.
فخالد وشقيقه جمال صلاح من أكثر الأسماء التي تربّحت من مناصبها ليس عبر الإعلانات فحسب، بل الحملات المنظّمة التي كان يتم تبنّيها، واتّسما بالقدرة على التعامل مع الأنظمة المختلفة والتحوّل بما يلائم طبيعة كل مرحلة، بداية من الخروج بالموقع بدعم من صفوت الشريف ورجل الأعمال الهارب ممدوح إسماعيل المتورّط في قضية عبّارة السلام، وصولاً إلى حكم السيسي. هكذا، خرج صلاح خروجاً آمناً بتعيينه مساعداً لرئيس مجلس إدارة «المتحدة» للصحف والمواقع وهو منصب شرفي مستحدث، فيما جاء خليفته من اختياره، وهو صديقه رئيس التحرير التنفيذي للصحيفة، أكرم القصاص، الذي عُيّن رئيساً لمجلسَي الإدارة والتحرير، بخلاف الاتفاق الموقَّع بين الصحيفة ونقابة الصحافيين قبل ثماني سنوات بفصل الإدارة عن التحرير.
الخروج الآمن لم يكن من نصيب خالد صلاح فحسب، بل من نصيب كثيرين في المناصب العليا وخاصة في «سينرجي» التي لن تكون قادرة على إبقاء جميع من عيّنتهم خلال السنوات الماضية، في ظلّ تقلُّص نشاطاتها وعدم عملها منفردة في السوق المصرية، فيما تسود حالة ترقُّب بين القيادات في «المتحدة»، في انتظار ما ستسفر عنه قرارات التغييرات والهيئة الاستشارية التي سيتم تشكيلها، وجرى إبلاغ أعضائها بالفعل، خلال الأيام الماضية، والتغييرات التي لم تعلن، لكن أُبلغ بها أصحابها وهم في انتظار الساعة الصفر التي تحدّدها جهات سيادية للإعلان والتنفيذ.