القاهرة | قبل ساعات من إقرار مجلس النوّاب التعديلات التي أُدخلت على قانون الفصل، بغير الطريق التأديبي، من الوظائف الحكومية، كان الفنّان هاني كمال، رئيس الإدارة المركزية للشؤون الثقافية في "الهيئة العامّة لقصور الثقافة"، يطلّ عبر شاشة قناة "إكسترا نيوز" التي تديرها المخابرات، متحدّثاً عن شؤون الوزارة. لكنّ الرجل الذي ظهر على الهواء لوقت قليل، حُذفت فقرته، وفُصل رئيس تحرير البرنامج والمعدّ المسؤول عن استضافته، بقرار فوري من نائب مدير القناة، أحمد الطاهري، بسبب اتهام القائمين على البرنامج باستضافة شخصية "إخوانية". سبق لهاني كمال أن عمل كمتحدّث رسمي لوزارة التربية والتعليم إبّان عام حُكم "الإخوان"، لكنّ الفنان الذي يعمل في التمثيل أيضاً، بات اليوم موظّفاً مسؤولاً في وزارة الثقافة، وحصل على ترقيات عدّة بحُكم الأقدمية والجدارة. ومع ذلك، ظلّ اتهام الانتماء إلى الجماعة يلاحقه. وعلى رغم أن قانون الفصل الذي سيُطبَّق على القطاع الحكومي لا يشمل القنوات الخاصة التي تديرها المخابرات، إلّا أن ما حدث لكمال يعبّر بوضوح عمّا ينتظر آلاف الموظّفين خلال الفترة المقبلة، بعد تصديق السيسي على القانون ونشره في الجريدة الرسمية ليدخل حيّز التنفيذ.في السنوات السبع الماضية، عملت المخابرات على تصفية العاملين فيها، عبر استبعاد مَن ارتبطوا منهم بالعمل مع جهات إعلامية "إخوانية" بشكل مباشر أو حتى مع منظّمات حقوقية، سواءً بإجبارهم على الاستقالة أو استبعادهم بقرارات فورية. وفوق ذلك، بقي اتّهام التعاطف مع "الإخوان" يلاحق كثيرين منهم، ويمنع إعادتهم إلى العمل مرّة أخرى، في انتظار الموافقة الأمنية التي تستغرق أحياناً شهوراً طويلة، للتأكّد من أن الشخص المرشّح للعمل في جهاز تديره المخابرات ليس مطلوباً هو، أو أيّ من أقاربه من الدرجة الأولى، في قضايا لها علاقة بـ"الإخوان"، كما ليست لهم مواقف سابقة في تأييد "الجماعة"، ولذا جرى التوسّع في عملية مراجعة حسابات مواقع التواصل الاجتماعي والتغريدات التي كُتبت عليها في أوقات سابقة. وعلى رغم أن الدولة أوقفت التعيينات الرسمية منذ نحو 3 سنوات بشكل شبه كامل مع استثناءات قليلة، إلّا أن هذه الاستثناءات لا تسمح بالتعيين إلّا بعد الموافقة الأمنية التي تأتي من المخابرات والأمن الوطني بشكل مباشر، بحسب طبيعة جهة العمل. وعلى هذا النحو، توسّعت عملية الإقصاء بناءً على الخلفيات السياسية، ليس من الوظائف الحكومية فقط، ولكن أيضاً من شركات القطاع الخاص التي تتعامل مع الحكومة ورجال الأعمال الذين فضّلوا تنفيذ التوجيهات الحكومية من دون أن تكون مفروضة عليهم، تجنّباً لأيّ مشكلات محتملة.
تنطوي نصوص القانون على تعميم يشي بإمكانية توسيع دائرة الفصل السريع


وبعد مرور أكثر من 8 سنوات على الإطاحة بحُكم "الإخوان"، لا يزال النظام بأكمله يُلقي بمشاكله كافّة على العام الوحيد الذي حَكمت فيه الجماعة، بما فيها مشكلة الموظفين الحكوميين الذين تمّ تعيين الآلاف منهم خلال فترة الاضطرابات الواقعة بين عامَي 2011 و2014، في الوقت الذي كان معظمهم موجودين بالفعل في وظائفهم، ولكن بعقود مؤقّتة لا تمنحهم حق الاستمرار في الوظيفة حتى سنّ التقاعد وتُسهّل من إجراءات فصلهم. كذلك، وفي تبريره لحوادث القطارات المتكرّرة مثلاً، فضّل وزير النقل، كامل الوزير، أن يتّهم "الإخوان" بالمسؤولية عنها، في ظلّ عدم قدرته على فصل الموظفين المنتمين إلى الجماعة التي صنّفتها الحكومة "إرهابية"، وهو ما يمثّل السبب الرئيسي وراء الإسراع في تمرير التعديلات، بعدما أكّد الوزير القادم من الجيش أنه لا يملك سوى إقصاء "الإخوانيين" من مناصبهم القيادية ومنحهم مناصب هامشية للحدّ من صلاحياتهم. وبموجب التعديلات الجديدة على القانون الخاص بالفصل عبر المسار غير التأديبي الذي يستغرق أشهراً وربّما سنوات، سيكون من حق الحكومة فصْل مَن تراه متعاطفاً مع الجماعة أو منتمياً إليها أو متّهماً بـ"الإرهاب"، من دون الحاجة حتى إلى الإدانة الكاملة.
على أن نصوص القانون تنطوي على تعميم يشي بإمكانية توسيع دائرة الفصل السريع، وفق ما توحي به عناوين فضفاضة من قبيل "فقدان الثقة والاعتبار"، و"الإخلال بالواجبات الوظيفية بما يضرّ بمرافق الدولة"، بالإضافة إلى "فقدان سبب أو أكثر من أسباب صلاحية شغل الوظيفة". وهي عبارات يمكن إسقاطها على العديد من الموظفين، خاصة في ظلّ غياب آلية تَحقّق واضحة، باستثناء اعتبار إدراج العامل على "قائمة الإرهابيين" بمثابة "قرينة"، على رغم أن عشرات الأشخاص نجحوا في الحصول على أحكام ببطلان إدراج أسمائهم بعد وضعها على هذه القائمة التي تسلب الشخص العديد من حقوقه الرئيسة. هكذا، سيكون هاني كمال وآخرون غيره مِمَّن يشعر النظام بعدم الرضى عنهم، مطارَدين بموجب القانون الجديد، خاصة أن شرط "فقدان الثقة والاعتبار" يمكن العمل على تحقيقه في أيّ شخص، بناءً على مواقف سابقة مُسجّلة له، سواء تلفزيونية أو كتابية. كما أن مفهوم "الإخلال بواجبات الوظيفة" يواجه المئات من الموظفين الحكوميين يومياً، والذين يهملون متطلّبات عملهم.
وفي وقت تستعدّ فيه الحكومة لبدء العمل فور تصديق السيسي على القانون، في ظلّ وجود قوائم لآلاف العاملين الذين يُنتظر أن تَصدر بحقّهم قرارات الفصل، يبدو أن جزءاً منهم سيضطرّون إلى تقديم استقالات مبكرة إجبارية أملاً في عدم فقدان المعاش والامتيازات التي سيُحرمون منها في حال فصلهم. وينذر ذلك بمشكلة كبيرة في بعض القطاعات، ومن بينها القطاع الطبّي، بالنظر إلى وجود العديد من أسماء الأطبّاء المتّهمين بالانتماء إلى الجماعة أو التعاطف معها، ومن بينهم قيادات في النقابات الفرعية والنقابات العامّة. وفي مقابل التأنّي في تطبيق القانون في بعض القطاعات تجنُّباً للأزمات، سيكون هناك استعجال في قطاعات أخرى، مِن مِثل قطاع السكة الحديد، وبعض شركات قطاع الأعمال العام، خاصة تجاه الموظفين الذين اشتُهروا بتشجيع زملائهم على الإضراب والاحتجاج للمطالبة بحقوقهم، ولا سيما في شركات الغزل في المحلة وبعض الشركات الكبرى في القاهرة.