القاهرة | اختار جمال مبارك أن يظهر في الإعلام لتوجيه كلمة مصوّرة من مكتبه، حيث ظهرت خلفه صورة والده، الرئيس الراحل حسني مبارك، الذي بات المصريون يترحمّون على أيّامه، في ظلّ الصعوبات الاقتصادية التي يعانونها. وفي خطابٍ باللغة الإنكليزية وجِّه إلى الخارج، أكّد مبارك انتهاء جميع الإجراءات القانونية الخاصّة بالعائلة التي قال إنه تمّ الإفراج عن جميع أموالها المصادرة، فيما توجّه إلى المصريين، ليشدِّد على «انتصار العائلة في القضاء»، بعدما ثَبُت عدم وجود أموال غير شرعية لديها في الخارج، على رغم التحقيقات الموسّعة التي أجريت من أعلى السلطات القضائية في الاتحاد الأوروبي.مبارك الابن، الذي اختار أن يطلّ على صورة رجل الدولة السياسي المُدرك لطبيعة تاريخ عائلته، بدا عازماً على العودة إلى الحياة السياسية، وهو ما يثير حفيظة الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، والمؤسسة العسكرية عموماً، التي تتّهمه بالمسؤولية عن جميع الأخطاء التي وقع فيها والده، بخاصّة خلال سنوات حكمه الأخيرة، في ظلّ رغبة جمال بالوصول إلى السلطة، ورفض الجيش وجود مدني على رأس المؤسسة العسكرية. على أن تاريخ مبارك الأب العسكري، لا يعني أنه لم يكن «حرامياً»، وإن استطاع النفاد من التحقيقات بسبب ثغرات قانونية، وبعدما تنازل عن أموال في مقابل تجنيب حبسه، كما هي الحال في قضيّة «هدايا مؤسسة الأهرام» على سبيل المثال. لكنه أدين مع نجلَيه علاء وجمال بالسرقة في قضيَّتَين رئيستَين: الأولى «قضية القصور الرئاسية»، والمرتبطة بالفيلّات الخمس في خليج نعمة التي حصلوا عليها من رجل الأعمال حسين سالم، في أواخر التسعينيات. ولكن المحكمة لم تُدِن الثلاثي، بعدما سقطت القضية بالتقادم، وفقاً للنصّ القانوني الذي يُسقط الاتهام بعد 10 سنوات للموظّف العام في حالة مبارك، وثلاث في حالة نجلَيه باعتبارها جنحة. اتهام عائلة مبارك بالسرقة ليست في قبول العطايا فحسب، ولكن أيضاً في استغلال شركة حكومية، هي «المقاولون العرب»، لتوسيع وتعديل وإضافة ملحقات إلى الفيلّات. وبلغت قيمة ما سدَّدوه للشركة نحو 300 ألف دولار، من أصل مستحقّات تصل إلى نحو 5.5 مليون دولار لم تُسدَّد. أمّا الإدانة الوحيدة المسجَّلة قضائياً والتي تمنع مبارك الابن (أو أخيه) من الترشُّح للانتخابات الرئاسية وممارسة حقوقهما السياسية، مرتبطة بحكم محكمة النقض الصادر في كانون الثاني 2016، بتأييد معاقبة حسني مبارك ونجلَيه بالسجن المشدَّد ثلاث سنوات عمَّا أُسند إلى كل منهم في القضية المعروفة إعلامياً بـ«فساد القصور الرئاسية»، وتغريمهم مبلغ 125 مليوناً و779 ألف جنيه (نحو 13 مليون دولار بسعر الصرف آنذاك)، وإلزامهم بردّ مبلغ تخطّى الـ21 مليوناً و197 ألف جنيه، وهو حكم نهائي بات غير قابل للطعن، فيما امتنع المتّهمون الثلاثة عن دفع المبالغ المذكورة، فقضوا فترة 6 أشهر إضافية محبوسين كعقوبة إكراه بدني بديلة لعقوبتَي الغرامة وردّ المبالغ.
ظهور جمال مبارك للحديث عن عائلته وتاريخها، جاء بعد ساعات من زيارته مع شقيقه إلى الإمارات


ظهور جمال مبارك للحديث عن عائلته وتاريخها، جاء بعد ساعات من زيارته مع شقيقه إلى الإمارات، وهي أوّل زيارة خارجية لهما منذ تنّحي والدهما في عام 2011، وإنهاء إجراءات منعهما من السفر قبل أسابيع لتقديم واجب العزاء بوفاة رئيس الإمارات خليفة بن زايد، الذي عرض، في 2011، مليارات الدولارات، في مقابل عدم سجن العائلة، وهو عرض رفضه، آنذاك، المجلس العسكري. وإن أكد جمال مبارك أن العائلة «بريئة» من تُهم الفساد المالي، فهو لم يكشف عن مصادر أموال عائلته وثرواتها، بخاصة تلك التي تُقدَّر بملايين الدولارات والموجودة في الخارج، والتي كشفت عنها وثائق صحافية وحسابات لمصارف، آخرها حساب في مصرف «كريدي سويس» بقيمة 196 مليون دولار. وعلى رغم أن مبارك يبدو واثقاً من نفسه، في المقطع المصوّر، لكن الأكيد أن ردود فعل النظام على خطابه لن تتوقّف عند منْع نشر أخباره أو ظهور صوره، بخاصّة في ظلّ وجود داعمين لتحرّكاته، لا يُتوقَّع أن يكون محمد بن زايد واحداً منهم.
اليوم، لا يستطع السيسي الذي حضر جنازة مبارك الرسمية وقدَّم العزاء لنجلَيْه وزوجته أمام الكاميرات، أن يتّهم الرئيس الذي اختاره مديراً للمخابرات، بالفساد. لكن سيكون عليه، في المقابل، استغلال رفض الجيش لجمال مبارك، من أجل التعامل «سياسياً وعسكرياً» مع تحرّكاته وشقيقه علاء غامضة الأهداف، خصوصاً أن نوايا ابنا الرئيس الأسبق لا تزال غامضة: أهي رغبة في العودة إلى الحكم، أم مجرّد محاولة لتحسين صورتهما؟