القاهرة | بعد نحو سبعة عقود من استقرار العائمات الواقعة على نهر النيل في منطقتَي العجوزة والكيت كات في القاهرة، تسعى الحكومة المصرية إلى إزالتها بشكل كامل، لتزيل آخر 23 عائمة نهرية، لم يعد يمتلك منها تراخيص رسمية سوى تسع فقط. ففي ستينيات القرن الماضي، قرّرت وزارة الداخلية، برئاسة زكريا محيي الدين، قصْر العائمات على هذه المنطقة، بعدما كانت ممتّدة على ضفتَي النيل. وإنْ كان ظاهر القرار تنظيمياً، فهو ساهم في تقليص عددها بشكل كبير. على أن موقع العائمات الاستراتيجي في مواجهة الضفة الأخرى من حيّ الزمالك الراقي، أصبح هدفاً للحكومة التي تعمل على استثمار المدن وتطويرها، من دون مراعاة الجانب التاريخي لها.ويسعى جهاز الأراضي التابع للقوات المسلحة المصرية إلى الاستحواذ على العائمات النيلية، لكون موقعها يمكن أن يشكّل مشروعاً استثماريّاً ضخماً يدرّ ملايين الجنيهات سنويّاً، في ما لو قرّر افتتاح مقاهٍ وتجمّعات على غرار تلك المستحدثة في الجزء الآخر من الشريط النيلي، فيما أطلق عليه «ممشى أهل مصر»، والذي أصبح وجهةً للسيّاح العرب في المقام الأوّل، ولطبقات اجتماعية ميسورة تستطيع دفع الأسعار السياحية.
وكان الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، أعلن أنه «لا مكان للعائمات على النيل»، مبدياً تمسُّكه بهذا القرار الذي يصبح نافذاً خلال ساعات. وفي ردّه على أسئلة الصحافيين، استغرب السيسي الجدل القائم حول قضيّة العائمات، بخاصّة أن الدولة تزيل آلاف المساكن في إطار خطط التطوير. وهو ما يدلّ على أن فلسفة الاستثمار التي يتبعها النظام المصري، قائمة على هدم التاريخ وكل ما له علاقة بالتراث المصري، لتحويل المنطقة إلى وجهة تجارية وسياحية. وفي هذا الإطار، أفادت مصادر «الأخبار»، بأنّ «الدولة قرّرت التخلُّص من العائلات، باعتبار أنها كانت مستأجرة للمكان، قبل أن تقرّر فسخ التعاقد الإيجاري مع الملاك». وتكشف البيانات أن هناك نحو 30 أسرة تعيش حالياً في 32 عائمة تعتبرها الحكومة مخالفة. وكانت وزارة الري تفرض، في السنوات الماضية، رسوماً على العائمات النيلية، تُسدَّد سنويّاً، إلى جانب إجراءات صارمة في الالتزام بآلية الصرف، بما لا يسمح بتلوّث مياه النيل، مروراً بعمليات تجديد وتأهيل مستمرّة، وصولاً إلى عدم السماح بتغيير طبيعة النشاط من سكني إلى تجاري من دون رسوم وإجراءات معقّدة، وهي أمور سارت بشكل جيد حتى عام 2015، وتحديداً بعد قرار زيادة الرسوم بشكل جزافي، والذي التزم به السكان. لكن الحكومة ممثّلة بوزارة الري (الجهة المسؤولة عن العائمات) أوقفت، قبل عامين، إصدار التراخيص. وقامت الحكومة، هذه المرّة، بمخاطبة أصحاب العائمات، باعتبارهم مخالفين وغير حاصلين على تراخيص، بل وطلبت منهم رسوماً جزافية، في مقابل استغلال العائمات، وهو ما دفعهم إلى إقامة دعوى قضائية لا تزال منظورة أمام مجلس الدولة، لكن استباقاً للحكم الذي يُتوقّع أن يكون لصالح السكان، أبلغتهم الحكومة بضرورة إخلاء متعلّقاتهم الشخصية من العائمات، والموافقة إمّا على تقطير العائمة لبيعها في الخردة، أو البحث عن مشترٍ لها.
وبخلاف عمليات الإزالة التي تقوم بها الحكومة من وقت إلى آخر، فهي لن تعوّض أصحاب العائمات بأماكن بديلة للإقامة فيها، ولا حتى بمواقع جديدة يمكن أن ترسو فيها عائماتهم التي تعتبر مساكن دائمة لهم، فيما فرضت غرامات كبيرة على الفترة التي أوقفت فيها إصدار التصاريح، وصلت إلى نحو 60 ألف دولار لبعض العائمات، وهو رقم متضخّم مقارنة بالرسوم التي كان يدفعها هؤلاء، والتي لم تكن تتجاوز الألف دولار. وتفسّر الحكومة قرارها إزالة العائمات بأن هذه الأخيرة «جزء من المخالفات غير القانونية الموجودة على نهر النيل»، وأن «عمليات الإزالة تراعي الأبعاد الاجتماعية لسكانها.
لكن المفاجأة التي لم تكن متوقّعة في التعامل مع الملفّ، جاءت على لسان رئيس الإدارة المركزية لحماية نهر النيل، أيمن أنور، الذي خرج بتصريحات تلفزيونية اتهم فيها أصحاب العائمات بأن من بينهم «إخوان»، وأن العائمات الثلاث التي أزيلت قبل أيّام هي لثلاث شخصيات تنتمي إلى الجماعة، ومتحفَّظ على أموالها، فيما تُقدّر قيمة العائمات المزالة بأكثر من مليون و500 ألف دولار.