القاهرة | على رغم قرار الحكومة المصرية منع التعدّي على مياه النيل، وحظْر إقامة أيّ منشآت في حرم النهر وعلى جانبَيه، إلّا أنها شرعت في عمليات توسّع في محيطه في قلْب القاهرة، من أجل إنشاء «ممشى أهل مصر» الذي كان يُفترض أن يشكّل متنفَّساً للمصريين، خاصة أن موقعه مُقابِل لمجموعة من الأبراج، ومِن خَلفه تقع منطقة بولاق أبو العلا الشعبية، وامتدادها في حيّ شبرا التاريخي الذي يحظى بكثافة سكانية مرتفعة. وأزالت الحكومة، في الشهور الماضية، آلاف التعدّيات على مياه النيل، من مبانٍ وخلافه، بعضها استُخدم بغرض التجارة والبعض الآخر بغرض السكن، لكنّ السلطات شرعت في سلسلة تعدّيات، تستكملها اليوم بتجهيز ممرّات إضافية لـ«ممشى أهل مصر» حتى يكون بطول المنطقة الأكبر في العاصمة، بما يشمل إنشاءات خرسانية ثابتة في قلْب مياه النيل، ويستهدف تخصيصه لفئات محدَّدة (أبناء الطبقة الثريّة)، بعدما فُتح مجّاناً في الشهور الأولى.وعلى نحو مفاجئ، قرّرت الحكومة فرْض رسوم على الممشى السياحي، لتَقسمه إلى مستويَين: المستوى الأعلى مجّاني، فيما المستوى المطلّ على النيل مباشرة، لا يُسمح بدخوله إلّا مقابل 20 جنيهاً (1.1 دولار)، بما سيَحرم المواطنين العاديين من ولوجه لالتقاط الصور التذكارية مع الأبراج الفخمة الموجودة في الخلفية. وتكاثَرت الشكاوى، في الأسابيع الماضية، من تعذُّر الدخول إلى المطاعم القائمة هناك واستخدام مرافقها، بسبب ارتفاع أسعارها بشكل مبالَغ فيه، وهو ما أرجعه أصحاب المطاعم إلى ارتفاع الإيجارات بشكل مبالَغ فيه أيضاً. هكذا، تحوَّل المشروع الذي يُفترض أنه من مسؤولية وزارة الإسكان، من «ممشى أهل مصر» إلى ممشى «أهمّ الناس في مصر»، حيث يكتظّ بالوزراء والسفراء ورجال الأعمال، في وقت فرضت فيه الحكومة رسوماً مرتفعة أيضاً على المكان المخصَّص لانتظار السيارات.
قرّرت الحكومة فرْض رسوم على الممشى السياحي، لتَقسمه إلى مستويَين


اللافت، ادّعاء السلطات أن رفع الرسوم سببه سوء استخدام المواطنين للمرفق، وهو ما أدّى إلى إلحاق أضرار به خصوصاً خلال إجازة عيد الأضحى. لكن هذه الأضرار دائماً ما تَحدث نتيجة الزحام في أماكن مشابهة، فضلاً عن أن تشغيل شركة أمن خاصة - إلى جانب شركة دعاية للترويج للمشروع - ووجود كاميرات مراقبة، كفيلان برصد أيّ مخالفات بشكل فوري. ومن هنا، يبدو أن السلوك الحكومي، الذي استثار غضباً واسعاً، إنّما يترجم فلسفة إنشاء الممشى من الأساس، والذي شهد مخاضه نزاعات بين وزارات عدّة، بداية من وزارة الريّ التي يُفترض أنها جهة الولاية الأصلية على النيل، مروراً بمحافظة القاهرة التي يقع المرفق في نطاقها، وصولاً إلى وزارة الإسكان التي أصبحت مسؤولة فعلياً عن الإشراف على المشروع وتنفيذه، وهو بالأصل نفع عام مُقام على أراضي الدولة. وأدّى هذا التنازع، الذي جرى احتواؤه في نهاية المطاف، إلى تضييع الهدف الأصلي، والمتمثّل في تحسين جودة حياة المصريين، خاصة أنه استُثمرت من أجله أرض حكومية جرت إعادة تأهيلها، فقط لتكون مكاناً أفضل للمواطنين، الأمر الذي لا يستوجب فرض أيّ رسوم لمجرّد السير عليها لدقائق، في ظلّ عدم وجود أماكن مجّانية للجلوس.
وعلى رغم أن فرض الرسوم أمر باطل من الناحية القانونية والدستورية بشكل كامل، ولا سيما في ظلّ عدم اتّباع الطرق القانونية لاستحداثه، إلّا أن الحكومة تبدو شديدة الحرص على لفْلفة الموضوع، باعتبار أن المشروع بخلاف كونه يستهدف فئة رجال الأعمال والطبقات العليا، بات مصدر دخل لها لا ترغب في فقدانه، سواءً من خلال رسوم الإيجار الباهظة المفروضة على المحالّ، أو حتى الرسوم المحصَّلة من الجوانب الأخرى للمرفق.