القاهرة | لم تكن مطالبة «صندوق النقد الدولي»، الحكومة المصرية، في بيان رسمي أوّل من أمس، بإحراز تقدّم حاسم بشأن إصلاحات مالية وهيكلية أعمق لتعزيز القدرة التنافسية للاقتصاد، وجعله أكثر مرونة في مواجهة الصدمات، خطوةً مفاجئة، في ظلّ ترقّب الصندوق إصدار قرارات لا تزال الحكومة تماطل فيها، ومن بينها تخفيض سعر صرف الجنيه، والوصول إلى سعر عادل، مع تعزيز القطاع الخاص، وفتح أبواب الاستيراد، وتقليص دور الدولة في السوق. ويَرهن «النقد الدولي» الموافقة على قرض جديد بتلك الخطوات، وسط محاولة السلطات زيادة قيمة القرض ليصل إلى 10 مليارات دولار، من أجل سدّ الفجوة التمويلية التي ارتفعت نتيجة الحرب الروسية ــــ الأوكرانية، واضطرار مصر إلى استخدام ما بين 4 و5 مليارات دولار شهرياً من الاحتياطي النقدي لتعزيز الوضع الاقتصادي، علماً بأن قيمة الجنيه انخفضت بنحو 25% منذ آذار الماضي حتى اليوم.صحيح أن الصندوق تحدّث عن تحقيق اتفاقية «الاستعداد الائتماني»، التي وُقّعت مع بداية جائحة «كورونا»، وحصلت بموجبها مصر على قرض قيمته 5.2 مليارات دولار، أهدافها من أجل مواجهة التحديات الناجمة عن الجائحة، لكن يبقى الغرض الأساسي من الدعم العتيد، هو استمرار الحفاظ على الاقتصاد الكلّي وسط الأزمة الراهنة. وجاءت انتقادات «النقد الدولي» بسبب تثبيت سعر صرف الجنيه، وبقاء تقلّباته محدودة، وعدم التزام الحكومة بتطبيق بعض الإجراءات المُتّفق عليها في القروض الماضية، في حين يطالب الصندوق بتخفيض إضافي لسعر العملة من أجل تحقيق سعر صرف مستقرّ على نطاق واسع. وبينما يجري التحضير لمناقشات موسّعة ستُعقد افتراضياً وحضورياً مع مسؤولي السياسات النقدية في مصر، تتزايد الدعوات إلى التزام الحكومة بما يجب أن تقوم بتنفيذه وفق ضوابط «الحوكمة».
استبق السيسي صدمة القرارات الاقتصادية المرتقبة بالإعلان عن إجراءات شعبوية


وعلى رغم تمسّك السلطات بالحصول على القرض من الصندوق في أسرع وقت، إلا أن مصادر مصرفية تحدّثت، إلى «الأخبار»، عن وجود سيناريو متمثّل في أن يوافق «النقد الدولي» على قرض بقيمة متواضعة (أقلّ من 3 مليارات دولار مثلاً)، على أن يكون هناك قرض آخر في وقت لاحق من العام الجاري أو العام المقبل، تتمّ جدولته على غرار قرض الـ 12 مليار دولار الذي حصلت عليه مصر ما بين عامَي 2016 و2018، مع مراجعة مسؤولي الصندوق لمدى التزام الحكومة بتعهّداتها. وبعدما خفّضت السلطات توقّعاتها لنموّ اقتصادها في العام المالي الحالي، لتكون 4.8% بدلاً من 5%، كما كانت في نيسان الماضي، يُنتظر تمرير جميع التفاصيل الخاصّة بالقرض الجديد خلال عطلة البرلمان، ومن دون مناقشة اقتصادية واسعة، على رغم الاعتراضات على استمرار اتّباع سياسة الاقتراض من دون حلول جذرية للأوضاع الاقتصادية المتراجعة.
واستبق الرئيس عبد الفتاح السيسي صدمة القرارات الاقتصادية المرتقبة، التي ستزيد من الأسعار مجدّداً، بالإعلان عن إجراءات شعبوية بقيمة تقترب من 600 مليون دولار على 6 أشهر، للفئات التي يراها أكثر احتياجاً وتدْخل ضمن منظومة دعم الدولة، ومن بينها الأسر التي تتلقّى مساعدات مالية، وأصحاب الأجور والرواتب التي تقلّ عن 2500 جنيه (140 دولاراً تقريباً)، بواقع نحو 20 - 25 دولاراً لكلّ أسرة. واللافت أن قرار السيسي بضمّ مليون أسرة جديدة إلى معاشات «تكافل وكرامة»، التي تستهدف تحسين جودة الحياة للمطلّقات والأرامل وغير القادرين على العمل، أو حتى لأصحاب الرواتب والعاملين في الجهاز الإداري للدولة، يُفترض أن يطال 20 مليون مواطن، أي ما يمثّل نحو 18% من سكان مصر. لكن هذه النسبة لا تزال متواضعة جدّاً، في ظلّ وجود الملايين من غير المستفيدين، ولا سيما العاملين في القطاع الخاص، وهم الفئة الأكبر من العمالة اليوم. واللافت أيضاً أن هذا «الفتات» تضمّن أيضاً تخصيص موارد مالية كبيرة للقوات المسلّحة من أجل توفير السلع وتوزيع الصناديق الكرتونية في القرى الفقيرة. لكن السؤال الرئيسي يبقى حول مدى نجاعة القرارات «الشعبوية» في احتواء الغضب المرتقب.