القاهرة | مع إعلان رئيس الحكومة الإثيوبية، آبي أحمد، نجاح عملية الملء الثالث لسدّ النهضة، باكتمال تخزين نحو 17 مليار متر مكعّب من المياه ووصول المخزون إلى 600 متر فوق سطح البحر، فإن أديس أبابا تكون قد خطَت خطوة متقدّمة إضافية، للعام الثالث على التوالي، في سياسة فرْض الأمر الواقع، والتي قد لا يخفّف من وقْع فصلها الأحدث على مصر سوى عاملَين: الأوّل، وفرة مياه الأمطار؛ والثاني، تغيير آلية ومواعيد فتح بوّابات السدّ العالي لضخّ المياه في النيل. ولم تنجح مفاوضات السنوات السبع الماضية بين مصر والسودان وإثيوبيا في إنجاز أيّ اتّفاقات، بل أُنفقت مئات الملايين من الدولارات على الدراسات والاستشارات المرتبطة بها، والتي لم يؤخذ بنتائجها، في وقت استكملت فيه أديس أبابا المشروع كما خطّطت له في عام 2011، ولم تتعثّر فيه إلّا لأسباب داخلية مرتبطة بتوتّرات السنتَين الفائتَتين، ومشاكل فساد مالي واجهت الإدارة السابقة للمشروع.وتتبقّى أمام إثيوبيا، اليوم، 4 سنوات يفترَض أن تقوم فيها بتخزين نحو 48 مليار متر مكعّب، لكي تصل بحيرة السدّ إلى سعتها القصوى، الأمر الذي سيشكّل أزمة بالنسبة إلى مصر والسودان، خاصة إذ ما صادفتا سنوات جفاف أو تراجع لكمّيات الأمطار. وفشلت المحاولة المصرية الأخيرة للعودة إلى مجلس الأمن الدولي، خاصة مع عدم تلقّي القاهرة دعماً من الإمارات، التي تشغل منصب العضو العربي غير الدائم في المجلس، والتي دعت إلى إعلاء الوساطة الأفريقية، في حين لم يَعُد الانخراط المصري مع قادة «الترويكا» الأفريقية فعّالاً أو مؤثّراً في ظلّ تمسّك إثيوبيا بمطالبها، وعدم وجود آلية للضغط عليها لتقديم تنازلات. وكانت تراجَعت المطالب المصرية من التوقيع على اتّفاق ملزم لا تجد أديس أبابا الآن ما يجبرها على توقيعه، إلى رغبة في إعلانات سياسية من الحكومة الإثيوبية عن التزام التفاوض مع مصر والسودان حول السقف الزمني المناسب للتخزين في بحيرة السدّ مع وجود مراقبة دولية وأفريقية، والتوقّف عن التصريحات الاستفزازية المرتبطة بإهدار الحقوق التاريخية ومخالَفة الاتّفاقات الدولية.
لم تلقَ التحرّكات الإثيوبية النشِطة أيّ نشاط مصري مقابِل بالمستوى نفسه


وهكذا، لم يَعُد التفاوض المصري حول مدى صلاحية السدّ وموقعه، ولا على الكمّيات التي سيتمّ ضمان تدفّقها، بل بات مقتصراً فقط على ضوابط التشغيل وضخّ المياه إلى مجرى الملاحة في نهر النيل، خاصة في ظلّ احتمال مرور سنوات شحّ خلال فترة الملء، ما يوجب على أديس أبابا، من وجهة نظر القاهرة، إيقاف عملية الملء خلال هذه السنوات، لكنّ إثيوبيا ترفض ذلك بشكل رسمي، على اعتبار أن أيّ تعديلات على المشروع ستؤثّر سلباً على كمّيات الكهرباء التي سيتمّ إنتاجها منه. وفي هذا الإطار، أعلن آبي أحمد، أخيراً، افتتاح جزء من التوربينات الجديدة التي ستقوم بتوليد الكهرباء، متمسّكاً بأحقّية بلاده في «إدارة مواردها الطبيعية بالطريقة المناسبة». لكنّ المضيّ في هذا السبيل سيشكّل تهديداً خطيراً للأمن القومي المصري، خصوصاً في ظلّ غياب أيّ آلية لتبادل البيانات مع الجانب الإثيوبي، بالإضافة إلى غياب الضوابط المرتبطة بالكمّيات التي سيتمّ ضخّها في حالات شحّ الأمطار.
ولم تلقَ التحرّكات الإثيوبية النشِطة أيّ نشاط مصري مقابِل بالمستوى نفسه، في وقت لا يزال فيه الملفّ بأيدي المخابرات المصرية التي تتابع تفاصيله مع الجهات المعنيّة، من دون أن تسمح لوسائل الإعلام بالتعرّض له. وأمّا بشأن الوساطة، فكلّ ما تلقّته القاهرة في الأسابيع الماضية بهذا الشأن، أظهر أن المعنيّين باتوا يتعاملون مع السدّ بصفته أمراً واقعاً، فيما تقتصر المقترحات على محاولة إيجاد تعاون بين إثيوبيا ومصر، التي أضحت تخشى تقديم أيّ تنازلات إضافية ستكون مقدّمة لمزيد من التنازلات، على غرار ما حدث في السنوات الماضية.