القاهرة | على رغم الوضع الاقتصادي المأزوم والارتفاع الكبير في كلفة المعيشة، وسط القفزات المتتالية في أسعار المحروقات والسلع الأساسية، لا يبدو أن الحكومة المصرية قد تنبّهت بعد إلى السياسات الخاطئة التي اعتمدتْها على مدى السنوات الماضية، حيث لم تحقّق مشاريعها العائدات المأمولة، ولم توفّر فرص عمل حقيقية للشباب. مع ذلك، لا يجد الرئيس عبد الفتاح السيسي، ومحافظ البنك المركزي حسن عبد الله، مانعاً من المشاركة في عرْض لـ«الهيئة العامة للاستثمار» للاستماع إلى خطط شركات القطاع الخاص للتوسُّع خلال السنوات المقبلة، بهدف دعم سياسة زيادة الصادرات المصرية إلى حدود 100 مليار دولار، وهو رقم لا يبدو في متناول اليد على رغم التسهيلات الشكلية التي أقرّتها الحكومة أخيراً، بما يضمن إنهاء جزء من الإجراءات الروتينية الخاصة بالتصاريح المرتبطة بالشركات، والتي كانت تتطلّب موافقة 26 جهة مختلفة.استماع السيسي إلى مشروعات القطاع الخاص التي ستشهد توسعة، بالاستفادة من رُخص اليد العاملة مقارنة مع دول الجوار، جاء بعد أيام من إعلان رجل الأعمال، المهندس أحمد السويدي، العضو المنتدب لمجموعة «السويدي إلكتريك» والداعم للسيسي ونظامه، عن ضيقه من تصرّفات «المركزي» المقيِّدة لتوفير الدولار، والتي تسبّبت بعجز لشركته التي لم تَعُد قادرة على العمل بانتظام أو الالتزام بسداد رواتب العاملين لديها. وليس السويدي وحيداً في هذه «المعاناة»؛ إذ يضطرّ وكلاء السيارات أيضاً إلى إغلاق معارضهم عند منتصف النهار بسبب توقّف حركة الاستيراد، فيما لم يَعُد في مستطاع الشركات استيراد أيٍّ من معدّات التشغيل، على رغم صدور قرارات استثنائية من «المركزي» في شأن مستلزمات الإنتاج. وفي وقت بات فيه سعر صرف الجنيه الذي ينخفض كلّ يوم عدّة قروش، هو العنصر الأساسي المتحكّم في الاستيراد، فإن من شأن لجوء بعض رجال الأعمال إلى السوق السوداء من أجل الحصول على الدولارات بسعر أعلى (24 جنيهاً بدلاً من 19.50)، أن يؤدّي إلى تحميل الزبائن عبء زيادة الأسعار. وعلى أيّ حال، فإن الاستثمارات والصادرات التي يتحدّث عنها السيسي تبدو أقرب إلى التمنّي - على الأقلّ في الأجل القريب -، علماً أن استرساله في الشعارات أثناء حديثه إلى رجال الأعمال ومندوبي الشركات الدولية العامِلة في مصر، حمل ردّاً مبطّناً على كثير ممّا أثير في الأسابيع الماضية.
ويمهّد النظام، على ما يَظهر، لطلب الانتظار لعامَين إضافيَين أو أكثر قليلاً لتَجاوُز الصعوبات، مُلقياً باللوم على الأزمة الروسية - الأوكرانية في تأخير جَنْي الثمار، ولا سيما مع تزايد الديون التي يُفترض أن تُسدَّد مع نهاية العام المقبل، والتي تفوق إجمالي ما يُتوقَّع تحقيقه من عائدات. واللافت أن ظهور السيسي في «الهيئة العامة للاستثمار»، يخالف تصريحاته السابقة حول «أهميّة العمل الحكومي» و«توسيع المشروعات الحكومية». لكن ما تَقدَّم ليس مستغرباً، فهو مرتبط بشكل وثيق بما يطلبه «صندوق النقد الدولي» الذي سيتيح قرضاً جديداً لمصر قبل نهاية العام الحالي، في وقت أكد فيه السيسي أن القطاع الخاص بات يشكّل 75% من الشركات العاملة. لكن ما يغفله الرئيس أن سياسة الترويج لمشاريع لا تزيد رواتب العاملين فيها - في أفضل الأحوال - على 300 دولار، ولا توفّر خدمات التأمين والرعاية الصحية، تمثّل خطوة ناقصة، كونها ستُعمّق من مستوى الفقر في البلاد، في ظلّ الارتفاع المتواصل في الأسعار نتيجة تخفيض قيمة العملة.
وجاء حديث السيسي عن تعزيز دور القطاع الخاص بعد يوم واحد من مراجعة الحكومة عملية الطروحات المرتقبة في البورصة المصرية لشركتَي «صافي» و«وطنية» التابعتَين للجيش - والتي تمثّل أحد الشروط الأساسية لـ«صندوق النقد» -، فيما تبْقى معضلة سعر صرف الجنيه أمام الدولار إحدى المشكلات التي لم تُحلّ بعد، في ضوء عدم رغبة النظام في تخفيض قيمة العملة الوطنية مجدداً، وفي الوقت نفسه صعوبة تحمُّل القفزة المرتقبة فيها في حال عدم تدخُّل «المركزي» لضبط السعر عبر التنسيق مع المصارف. لكن، يبْقى رهان السيسي على تهدئة الأوضاع اقتصادياً، ومحاولة إعادة بناء القطاع الصناعي، ونجاح جزء من المشروعات التي أطلقها منذ وصوله إلى السلطة، لعبور انتخابات 2024 بأقلّ ضرر ممكن.