القاهرة | سُجّل في مصر، في الآونة الأخيرة، ازدياد في عمليات التهديد، التي باتت تطال كلّ مَن ينطق بكلمة لا تأتي على هوى ما تريده السلطات. وإذا كانت وتيرة هذه العمليات تَراجعت قليلاً مع انطلاق أعمال «قمّة المناخ» في شرم الشيخ، والمتابعة الدولية المكثّفة لِمَا يَحدث في هذا البلد، فإن حالة الإرباك لا تزال طاغية، ربطاً بالمخاوف من اندلاع احتجاجات شعبية، ليس على خلفية دعوات التظاهر في 11 تشرين الثاني بالتزامن مع الزيارة المرتقبة للرئيس الأميركي جو بايدن، إنّما وصولاً أيضاً إلى ذكرى انتفاضة «25 يناير». ولعلّ أكثر ما يثير قلق النظام حالياً، هو التقارير المتزايدة من الأجهزة الأمنية المختلفة حول تصاعد الاحتقان الشعبي في أوساط المصريين بمختلف طبقاتهم ومستوياتهم الاجتماعية، بما يشمل أيضاً مؤيّدي الرئيس عبد الفتاح السيسي.وعلى هذه الخلفية، عادت عمليات التوقيف والملاحقة لبعض النشطاء، بالتزامن مع إفراجات جزئية عن البعض الآخر مع وضْع قيود على سفرهم خارج البلاد، فضلاً عن مراقبة عمليات تحويل الأموال الآتية من الخارج بالعملات الأجنبية، خاصة حسابات الدولار الحديثة نسبياً، والتي يُسجَّل تلقّيها مبالغ كبيرة في الفترة الأخيرة. ويأتي ذلك وسط ترويج الوسائل الإعلامية المُوالية أحاديث عن وجود تحويلات من الخارج هدفها إسقاط النظام، الذي يبدو مربكاً إزاء التعامل مع هذه الظاهرة الاستثنائية. ولم تقتصر عمليات التفتيش والتوقيف الأخيرة على صحافيين نشروا تغريدات أو تقارير صحافية تضمّنت انتقادات للسلطات، بل امتدّت إلى توقيفات واسعة النطاق في شوارع القاهرة والميادين الرئيسة، فضلاً عن حوادث تفتيش للهواتف المحمولة بشكل متزايد، خاصة في أوساط الشباب، وفي حالة التجمّعات ولو كانت محدودة.
كذلك، بدأ، منذ مطلع الشهر الجاري، تطبيق خطّة أمنية محكَمة راجعها وزير الداخلية قبل سفره إلى شرم الشيخ، لمنْع أيّ محاولات لتصوير تظاهرات أو حتى لافتات دعائية معارِضة في شوارع القاهرة. وشملت الخطة تسريع وتيرة تركيب كاميرات المراقبة في الميادين الرئيسة والشوارع المؤدّية إليها، وتنفيذ إعادة انتشار وتمركُز لقوات الشرطة، فضلاً عن التوسّع في الاستعانة بالمخبرين السرّيين، وإبلاغ أمن الجامعات بتفتيش الحقائب ومنع دخول أيّ ملابس أو لافتات من دون مراجعة ما هو مكتوب عليها. أيضاً، اعتمدت الخطّة، التي يستمرّ العمل بها حتى نهاية كانون الثاني المقبل، على التوسّع في ارتداء أفراد الشرطة وضبّاطها الملابس المدنية، والتشديد على إغلاق المحال في المواعيد المحدَّدة، مع توصية أصحاب المقاهي بالالتزام بتعليمات الإغلاق المبكر في بعض الأحيان، والتي قد تصل إلى الإغلاق الكامل في أحيان أخرى، بينما ستُرفع تقارير يومية من غرفة مراقبة الكاميرات بشأن الحركة والتجمّعات، خاصة في منطقة وسط القاهرة.
وتُصاحب الخطّةَ الأمنية أخرى إعلامية، مرتبطة بالسعي لإبراز ما يراه النظام إنجازات لصالح الفقراء على امتداد مصر، عبر «الاستعانة» بحالات جرى علاجها أو نقلها من المناطق العشوائية، وتسليط الضوء إعلامياً عليها بشكل كبير بواسطة مقاطع فيديو وأغانٍ حماسية تُذاع على جميع الشاشات بلا استثناء، في مقابل تجاهُل الحديث عن الأزمة الاقتصادية وارتفاع الأسعار. كذلك، تشمل الخطّة ضخّ عناوين فنّية واجتماعية جدلية في الفضاء العام بهدف إلهاء روّاد مواقع التواصل الاجتماعي عن السياسة، وإجبار عدد من الممثّلين على تقديم قصص في مسلسلات رمضان القادم تُظهر ما تريده الدولة، فضلاً عن إحداث نقلة في عمل بعض التيّارات السياسية عبر تسهيل عملها، وإطالة أمد الحوار الوطني الذي سيتمّ استكماله بعد «قمّة المناخ» ليكون واجهة ديموقراطية أمام العالم.