القاهرة | خرجت هبة راشد، مؤسِّسة جمعية «مرسال للأعمال الخيرية»، أخيراً، تشتكي من نقص حادّ في التبرعات، يرجع إلى سببَين رئيسيَّين: الأوّل مرتبط بتراجع قدرة المتبرّعين على الوفاء بالتزاماتهم نتيجة ارتفاع الأسعار؛ والثاني مرتبط باتّساع قائمة المحتاجين إلى هذه الخدمات، أيضاً بسبب ارتفاع الأسعار. على أن ما حدث مع «مرسال» مِن تَجاوز للأزمة نتيجة توفير بعض رجال الأعمال والمواقع الصحافية المحسوبة على الدولة، الأموال من تبرّعات شهرية مؤقتة، لن يمثّل حلّاً دائماً للمؤسّسات الخيرية، إذ كان مستشفى سرطان الأطفال الذي يعمل عبر منظّمة أهلية، قد تنازل قبلها، عن مبناه في طنطا، لمصلحة الجامعة، من أجل إدارته وتشغيله. تنازلٌ لم يأتِ إلّا بعد قرار رئيس الوزراء التدخُّل لإنقاذ المستشفى من التوقُّف الكامل نتيجة عدم وجود تبرّعات كافية لانتظام العمل فيه، في الوقت الذي يواجه فيه الفرع الرئيس للمستشفى أزمةً مماثلة جرى التدخُّل لحلّها بشكل مؤقّت.
وقبل سنوات قليلة، بدأت وزارة التضامن الاجتماعي، باعتبارها المسؤولة عن الجمعيات الأهلية، بمراقبة أنشطة التبرّعات للجمعيات المختلفة، وأوجه إنفاقها، في حين مَنعت المساجد من تلقّي تبرّعات مالية كانت تعتمد عليها لتوفير مساعدات شهرية لعائلات من دون الرجوع إلى الحكومة. لكن التحوّل الجوهري في عمليات المساعدة الاجتماعية جرى مع سقوط حكم جماعة «الإخوان المسلمين»، وإنهاء نشاط الكيانات التي كانت تموّلها. إلّا أنه مع تراجع قدرة الدولة على تعزيز الدعم المالي للأُسر الفقيرة، وخاصّة العائلات التي لا تنطبق عليها المعاشات الاستثنائية المحدَّدة بالقانون، فإنّ اللجوء إلى الجمعيات الأهلية والتبرعات التي تحصل عليها، بات يشكّل جزءاً أساسيّاً من المساعدات الاجتماعية، ليس فقط التي تُقدّم خارج إطار الحكومة ولكن داخلها أيضاً، بعدما جرى تأسيس «التحالف الوطني للعمل الأهلي»، الذي تشرف عليه جهات سيادية ويضمّ جميع الكيانات الخيرية الكبرى بالأمر المباشر، حتّى لو رفض مسؤولوها الانضمام بشكل طوعي. والظاهر أن هذه القرصنة لن تقف عند هذا الحدّ، إذ يسعى النظام إلى وضع يده على أكبر قدْر ممكن من الأموال، وهو ما حقّقه بالفعل من خلال تعاونه مع «بيت الزكاة والصدقات المصري» التابع للأزهر الشريف، وإعادة النظر في آليات التعامل مع أموال الأوقاف المقدَّرة بالمليارات.

ووقّع «صندوق تحيا مصر»، الخاضع مباشرة لمتابعة الرئيس عبد الفتاح السيسي، بروتوكول تعاون مع الهيئة المُشار إليها، في خطوة تهدف إلى التخفيف من حدّة الصدام والتوتّر المستمرَّين بين الرئاسة ومشيخة الأزهر. ويقتصر البروتوكول على مساهمة «بيت الزكاة» بالأنشطة نفسها التي يقوم بها، لكن مع توفير البيانات من خلال «صندوق تحيا مصر»، ليكون الإنجاز مشتركاً بين الطرفين. وبدا لافتاً أن هذا التفاهم الذي وافق عليه الأزهر بعد طول تردّد، وقّع بحضور مستشار رئيس الجمهورية للشؤون المالية وأمين الصندوق، اللواء محمد أمين نصر، ممثّلاً عن رئيس الجمهورية، إلى جانب حضور الشيخ أحمد الطيب شخصياً، فيما تضمّن ما جرى الاتفاق عليه، تشديد الأزهر على عدم السماح باستخدام الأموال في غير المصارف المخصَّصة لها. أما بخصوص أموال الأوقاف المقدَّرة بالمليارات، فقد جاء التدخُّل مباشرة من السيسي، الذي طالب بسرعة تنفيذ الأحكام الصادرة لمصلحة هيئة الأوقاف، التي حقّقت، في العام المالي الماضي، عائدات وصلت إلى أكثر من مليارَي جنيه، فيما يسعى النظام حالياً إلى مضاعفتها. وستأتي هذه المساعي على حساب المستأجرين والمستفيدين من خدمات الأوقاف، عبر زيادة الرسوم الإيجارية عليهم لدى تجديد العقود بنسب تصل إلى 1000% في بعض الحالات. كما تخطّط الحكومة للعمل على ضخّ استثمارات عربية وربّما أجنبية في المباني والمواقع والأراضي التي تمتلكها الهيئة، من أجل تحصيل إيرادات بالعملة الأجنبية.