القاهرة | لم تبلغ العلاقات المصرية - السعودية مستوى من التوتُّر مُناظِراً لِما وصلت إليه اليوم، حيث تكاد تُشارف قطيعة سياسية، مع إصرار وليّ العهد، محمد بن سلمان، على «تأديب» النظام المصري، إثر تلقّيه تسريبات ينتقد فيها الرئيسُ عبد الفتاح السيسي بعض توجُّهات الأمير السعودي، ولا سيما في حرب اليمن التي «سعّرت الأزمات في عموم المنطقة». وحتى الآن، يرفص ابن سلمان أن يلين، بل حتى إنه يضغط على شركائه الخليجيين، ولا سيما الكويتيين، للإحجام عن دعم الاقتصاد المصري، بما يضع «المحروسة» مرّة جديدة أمام واقع معقّد، سيصعّب على السيسي الطامح إلى فترة حُكم إضافية، تنفيذ خططه
مع إحكام وليّ العهد السعودي، محمد بن سلمان، قبْضته على مختلف جوانب الحُكم، تغيّرت ديناميات علاقات المملكة مع مصر، ليس فقط لأن الحاكم المستقبلي للسعودية لديه رؤية يرغب في تنفيذها سريعاً ومن دون اعتراضات، ولكن أيضاً لأن مَن هم على رأس السلطة المصرية عارضوا، في جلسات مغلَقة، توجّهات عديدة افتتحها ابن سلمان في السنوات الماضية، ولعلّ مِن أبرزها انخراطه في حرب اليمن من دون جدوى. وحتى أشهر قليلة، لم يكن للعلاقات الفاترة بين الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، ووليّ العهد السعودي، أيّ أثر على تواصُل مسؤولي البلدَين، غير أن الأمور اتّخذت منعطفاً حادّاً في نهاية كانون الأوّل الماضي، في ظلّ تكرار السيسي، في أحاديثه الخاصّة مع الزعماء العرب، حديثه عن أن هناك ضرورة للتروّي قبل الإقدام على أيّ خطوة، وطلبه عدم الاندفاع في قرارات يَصعب العدول عنها، وتُكلّف المنطقة مزيداً من الأزمات، في إشارة منه إلى تورُّط السعودية في المستنقع اليمني. وعلى هذه الخلفية، رفَض ابن سلمان، خلال الأسابيع الماضية، على رغم الدعوات المتكرّرة، أيّ تواصل مع السيسي، حتى عبر «الفيديو كونفرنس» بمشاركة الرئيس الإماراتي محمد بن زايد، وسلطان عُمان هيثم بن طارق، فيما يُحكى عن أن هناك جهوداً لترتيب قمّة تجمع الزعيمَين على أرض محايدة، من أجل تسوية الخلافات بينهما.
وعلى رغم تلميحات السيسي حول الخلاف المصري - السعودي، وتشديده توازياً على متانة العلاقات الثنائية وقوّتها، إلّا أن هذه التصريحات لم تأتِ إلّا لتعبّر عن ذروة الخلاف الذي باتت محاولات ابن زايد لحلّه واضحة، فيما تتزايد الضغوط السعودية اقتصاديّاً وسياسياً على «المحروسة». ولم تكن إشارة الرئيس المصري، أخيراً، إلى «حُسن العلاقات» بين مصر والدول العربية، سوى جزء من محاولاته التودُّد إلى الأمير السعودي، الذي تُكال إليه الشتائم يوميّاً في الدائرة المحيطة بالسيسي، وهو الأمر الذي عَلِم به السعوديون وأثار غضبهم. وتخشى القاهرة تنصيب ابن سلمان ملكاً، عادَّةً ذلك بمثابة «خطر على الاستقرار المصري»، بالنظر إلى ما يبديه وليّ العهد من تمنُّع عن تقديم الدعم للرئيس المصري من أجل تجاوُز الأزمة الاقصادية الراهنة، بل وحتى ممارسته ضغوطاً على شركائه الخليجيين، ولا سيما الكويت، لاتّخاذ خطوات مماثلة. وخلال زيارته للإمارات، الاثنين الماضي، سعى السيسي مضطرّاً إلى إظهار استعداده لتقديم تنازلات لابن سلمان، غير أن الأخير لا يبدو مهتمّاً بإنهاء الأزمة، وخصوصاً في ظلّ تعليق أيّ دعم اقتصادي للحكومة المصرية - وهو ما ستكون له انعكاسات على المدى المتوسّط -، فيما الإمارات ضخّت تقريباً كلّ ما تعتزم ضخّه من استثمارات في هذا البلد.
يتردّد بقوّة أن علاقة السيسي وابن سلمان وصلت إلى طريق مسدود


هكذا، بات يتردّد بقوّة أن علاقة السيسي وابن سلمان وصلت إلى طريق مسدود، إلى درجة أن مستشارين لوليّ العهد السعودي تحدّثوا مع رجال أعمال كويتيين وعُمانيين عن الفساد الذي يهدِّد استثماراتهم، وعن «المكاسب» التي يحقّقها الجيش المصري على حسابهم، من جرّاء الأموال التي يجري ضخّها، وطالبوا بضرورة وقْف «المِنح» من دون مقابل، أو وضْع جدول زمني يضمن استفادة الشعب منها وليس السلطة الحاكمة. من جهتها، تقف الحكومة المصرية في هذه «المِحنة» موقف المتفرّج تقريباً، بعدما بلغ الخلاف مستوى متقدّماً، فيما تعمل المخابرات على محاولة احتواء الأزمة التي لن يكون استمرارها في مصلحة القاهرة، ليس فقط بسبب الاستثمارات المعطَّلة، ولكن لأنّ أيّ تحرُّك من جانب الرياض نحو سحْب استثمارات أو تعليق شراكات، سيكون له انعكاس سلبي قبل الانتخابات الرئاسية المقرّرة في الربيع المقبل. وليست الخلافات على أيّ حال، محصورة مع ابن سلمان، بل ممتدّة إلى الكويت التي تحدّث السيسي عن قيادتها بشكل سلبي، خلال اجتماعات سُرّب محتواها إلى قادة الخليج، منتقداً غياب «الدعم السخيّ» لبلاده في أزمتها الاقتصادية المتواصلة، وهو ما تزامن مع رفْض المسؤولين الكويتيين المتكرّر، أثناء اجتماعاتهم مع نظرائهم المصريين، تقديم أيّ مساندة للقاهرة، سواء عبر المساعدات أو الاستثمارات، وذلك في ذروة الأزمة الاقتصادية العام الماضي.
والظاهر أن الخلافات المصرية - السعودية الآخذة في التفاقم، تجاوَزت تبايُن المواقف التكتيكي، وفق ما وصل إلى الطرفَين نقلاً عن اجتماعات مغلَقة. إذ أكد وليّ العهد السعودي أن وصول السيسي إلى السلطة وبقاءه فيها، جاءا بدعم سعودي في المقام الأوّل، في حين قال الرئيس المصري إن تهوّر ابن سلمان، وقلّة خبرته، وتعامله مع الأزمة اليمنية بشكل متسرّع ومن دون دراسة، كلّ ذلك تسبَّب في إدخال المنطقة في أزمات. كذلك، انتقد السيسي، سرّاً، أداء الجيش السعودي في حرب اليمن، وهو ما دفع الرياض إلى إطلاق حملة منظّمة تنتقد تدخُّل الجيش المصري في السياسة، وسيطرته، عبر أذرعه، على غالبية الاستثمارات في البلاد، ما جعل جميع الأموال المحوَّلة إلى الاستثمار تمرّ على الأرجح عبْره.
على رغم ما تَقدّم، تتأمّل القاهرة، بعد فشل جميع الوساطات، أن تَفتح القمّة العربية المرتقبة في الرياض الشهر المقبل، كوّة في جدار الأزمة، ولا سيما أن السيسي يعتزم ترؤّس وفد بلاده إليها، فيما تُراهن خصوصاً على وساطة الإمارات. وتقول مصادر مطّلعة، لـ«الأخبار»، إن الحكومة المصرية سترجئ عملية طرْح بعض الشركات الحكومية وإدراجها في البورصة إلى ما بعد عيد الفطر، بهدف جذْب المستثمرين السعوديين وضمان وجودهم في العملية، مع إمكانية توفير أفضليّة في بعض أيّام الطروحات، بإجراء تخفيضات مفاجئة على قيمة الجنيه لعدّة ساعات يتمّ فيها إدخال الأموال، قبل أن يعود الوضع إلى الاستقرار مجدَّداً، على غِرار ما حدث بداية الشهر الماضي.