صفعة قويّة تلقتها الدائرة المقربة من الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بفوز مرشح المعارضة خالد البلشي بمنصب نقيب الصحافيين في انتخابات النقابة التي أجريت يوم الجمعة الماضي.
هذه المرة، الصفعة لم تكُن من النتيجة فقط ولكن أيضاً من القيادات التي أجبروها على دعم وتأييد مرشح الدولة رئيس تحرير صحيفة «الأخبار»، خالد ميري، الذي خاض انتخابات شهدت انحيازات فجة من كافة وسائل الإعلام بالدولة لمصلحته لدرجة تخصيص مساحات واسعة في الجريدة التي يترأس تحريرها لتغطية أخباره ونشاطاته وتجاهل تحركات منافسيه.

وسعى ميري، الذي قضى 12 عاماً عضواً في مجلس النقابة، على مدار أكثر من شهر في الحملة الانتخابية لانتقاد وتشويه معارضيه، بل خرج في حلقة تلفزيونية عبر وسائل إعلام المخابرات للحديث عن رؤيته وإنجازاته وتشويه صورة منافسه مع إجبار رؤساء تحرير الصحف القومية المملوكة للدولة على إعلان تأييدهم له ودعمهم لوجوده كمرشح إلى منصب النقيب باعتباره «الأبرز والأقوى والوحيد» الموجود بين جميع المنافسين.

وخرج ميري خاسراً في الانتخابات من الجولة الأولى بفارق 6 أصوات منعته من خوض معركة الإعادة على رغم الدعاية المكثفة والإنفاق ببذخ شديد في الحملة الانتخابية ويوم الانتخابات بل والتعامل باعتباره النقيب المنتظر خلال أيام وإعلان تفاوضه مع الحكومة لزيادة قيمة بدل التدريب الذي يحصل عليه الصحافيون من الشهر المقبل إلى جانب رؤى مستقبلية شبه جاهزة للتنفيذ بدعم من أجهزة الدولة.

خسارة ميري الذي اختاره العقيد أحمد شعبان، المسؤول عن ملف الإعلام، مدير مكتب رئيس مكتب جهاز المخابرات، عباس كامل، على رغم وجود بدائل أخرى متعددة وتلقى قبول من الوسط الصحافي، أسقطت قائمة مرشحي النظام التي ضمت 6 أسماء إلى جانب ميري المرشح لمنصب النقيب، لينجح منها اسم واحد فقط اعتمد على الخدمات التي قدمها في السنوات الماضية، بينما فشل بقية المرشحين ومن بينهم عضو مجلس الشيوخ محمد شبانة الذي أنفق مبالغ طائلة في الدعاية.

هذه المرة، الضربة للمسؤولين عن إدارة الملف الإعلامي لم تكن قاسية بسبب الخسارة ولكن بسبب طريقة الخسارة نفسها، فعملية الحشد وإجبار العاملين في المؤسسات الحكومية وشبه الحكومية من أجل التصويت لمصلحة خالد ميري ورفاقه في قائمة الدولة لم تسفر سوى عن خسارتهم بفارق كبير عن أقرب منافسيهم ليس فقط اعتراضاً عليهم وإنما اعتراضاً على سياسة فرض الأمر الواقع التي حاولوا تمريرها.

محاولات التدخل في عرقلة النتيجة وإبطال بعض الأصوات للوصول لمرحلة الإعادة تصدى لها النقيب المنتهية ولايته ضياء رشوان إلى جانب اللجنة القضائية المشرفة على الانتخابات بمجرد انتهاء الفرز، فعلى رغم أن رشوان، رئيس الهيئة العامة للاستعلامات المسؤولة عن تحسين صورة الرئاسة في الإعلام الدولي والتواصل مع المسؤولين الأجانب، محسوب اليوم على رجال الدولة إلا أنه وقف أمام الصحافيين متحدثاً عن نزاهة الانتخابات واحترام إرادة «الجماعة الصحافية».

وتلقّى ميرى وحملته الانتخابية صفعةً قويةً بعد ما وصفه بـ«الغدر» ممّن أعلنوا التأييد علناً وصوتوا سراً لمنافسه، فيما وجه عدد من رؤساء تحرير الصحف القومية اللوم سراً على اختيار ميري بخاصة وأن الانتقادات التي تعرض لها في السنوات الماضية بسبب أدائه داخل مجلس النقابة كانت كفيلة بإبعاده عن منصب عضوية المجلس وليس تصعيده ليكون نقيباً للصحافيين.

وعلى رغم أن فوز خالد البلشي بمنصب نقيب الصحافيين، وهو رئيس تحرير لموقع إلكتروني محجوب، سيبقى ضربة موجعة ملقية بظلالها خلال العامين المقبلين إلا أن قطاعات ليست بالقليلة في الدولة تشعر بالسعادة من هذه النتيجة التي جاءت كخطوة ضغط جديدة على مسؤولي ملف الإعلام ليعيدوا النظر بسياستهم في محاولة فرض الأمر الواقع واختيار أهل الثقة وليس الكفاءة.

وفاز البلشي من الجولة الأولى بأصوات المتمردين على اختيارات الأجهزة الأمنية والذين قرروا عقابها على مواقفهم سراً أمام صناديق الاقتراع وبأصوات مؤيديه الذين يأملوا في أن ينجح بإعادة الحرية للنقابة وحل عشرات المشكلات المعلقة لكن الرهان الأكبر على أدائه سيكون في الأسابيع المقبلة في ما يتعلق بالموقف من الحريات لا سيما مع اقتراب إجراء الانتخابات الرئاسية بعد أقل من عام وكيفية إدارة ملفات عدة متشابكة مع الحكومة من بينها ملفات التعيين بالمؤسسات القومية وتدني الأجور.

استسلام الدولة للنتيجة جاء بشكل سريع ليس فقط بعد تهنئة خالد ميري للنقيب المنتخب، بل بالتواصل مع البلشي وحملته مباشرة والاعتراف بنتيجة الانتخابات بعد وقت قصير من إعلان النتيجة، فيما تغيرت لغة الخطاب المستخدمة تجاهه بشكل كامل في محاولة لاحتوائه للتعامل معه، إذ إن البلشي الذي تعرض لضغوط في السنوات الماضية وتعرض شقيقه للحبس ضمن هذه الضغوط هو نفسه الذي بات اليوم نقيباً للصحافيين المصريين ويتمتع بحصانة قانونية سيتوجب على الجميع احترامها.