حذر الخبراء في الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغيّر المناخ من احتمال تجاوز الاحترار نسبة الدرجة ونصف الدرجة المئوية، ومخاطر ذلك على العالم. في تقرير صادر أمس عن اجتماع الهيئة المذكورة، التابعة للأمم المتحدة، في مدينة إنشيون في كوريا الجنوبية (بمشاركة 195 دولة)، نبّه الخبراء إلى أنّ تجاوز الاحترار الدرجة ونصف الدرجة المئوية، ستكون له عواقب كثيرة، من بينها: موجات الحر، واندثار أنواع، وذوبان للغطاء الجليدي القطبي، وارتفاع في منسوب المحيطات على المدى الطويل.
(أ ف ب )

تحولات سريعة وغير مسبوقة
في حال استمرّت الحرارة بالارتفاع بالوتيرة الحالية بفعل انبعاثات الغازات المسببة لمفعول الدفيئة (Greenhouse gas)، يُتوقع أن تصل الزيادة إلى درجة ونصف الدرجة المئوية بين عامي 2030 و2052، وفقاً للتقرير المستند إلى أكثر من ستة آلاف دراسة. وفي حال اكتفت الدول بتعهّداتها خفض هذه الانبعاثات الواردة في «اتفاق باريس» المبرم عام 2015، سترتفع الحرارة بثلاث درجات بحلول نهاية القرن الحالي.
وفي سبيل حصر الاحترار بدرجة ونصف الدرجة، رأت هيئة المناخ أنّ انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون ينبغي أن تنخفض بنسبة 45 في المئة بحلول عام 2030 وأن يصل العالم إلى «تحييد أثر انبعاثات الكربون»، أي ألا تتجاوز الكميات الموجودة في الجو تلك التي يمكن سحبها منه. وشدّدت الهيئة على أنّ مصادر الطاقة، ولا سيما الفحم والغاز والنفط، مسؤولة عن ثلاثة أرباع الانبعاثات. كذلك، أشار التقرير إلى أنّ العالم بحلول عام 2040، سيتفاقم فيه نقص الأغذية واشتعال الحرائق، وستموت فيه الشعاب المرجانية.
لتجنّب حدوث ذلك، طالب التقرير الذي جاء في 500 صفحة، العالم بضرورة المباشرة بـ«تحولات سريعة وغير مسبوقة»، إذا أراد حصر الاحترار بدرجة ونصف الدرجة المئوية. ودعا كل القطاعات إلى «خفض كبير للانبعاثات مع تحول سريع ولا سابق له». ولتجنّب ارتفاع الاحترار إلى هذا الحدّ، قال التقرير إنه يجب تقليص تلوث انبعاثات الغاز بنسبة 45 في المئة من مستويات عام 2010، وذلك بحلول عام 2030، وبنسبة 100 في المئة بحلول 2050. كذلك، يجب أن ينخفض استخدام الفحم كمصدر للكهرباء من 40 في المئة اليوم، إلى ما بين 1 و7 في المئة بحلول 2050. أما الطاقة المتجددة كالرياح والطاقة الشمسية، التي تنتج نحو 20 في المئة من الكهرباء اليوم، فيجب أن ترتفع إلى نسبة 67 في المئة. وبحسب خبيرة المناخ في جامعة ديوك وإحدى كاتبي التقرير، درو شيندل، فإنّه من المستحيل التخفيف من حدة التغيّر المناخي، من دون التخلص نهائياً من الفحم.


صدمة كبيرة
أحد الخبراء الذين كتبوا التقرير، وهو بيل هاير، قال إنّ التقرير جاء بمثابة «صدمة كبيرة» وإنه «مقلق للغاية»، إذ إن ما ورد فيه «لم نكن على علم به قبل سنوات قليلة». وتركّز العمل السابق، بحسب الخبير، على تقدير الضرر في حال ارتفاع الحرارة بنسبة درجتين مئويتين، لأنها كانت الحد الأقصى للاحترار.
هذا التقرير جاء استجابةً لطلب الأمم المتحدة إعداده عند إبرام اتفاق باريس، تمهيداً لآلية مراجعة الالتزامات الوطنية التي من المفترض أن تنطلق خلال المفاوضات المناخية المقبلة. هذه المفاوضات ستجري في كانون الأول/ ديسمبر المقبل في بولندا في إطار مؤتمر الأطراف الرابع والعشرين.
وقالت مديرة منظمة «غرينبيس» العالمية، جنيفر مورغان، إن «هذا التقرير هو أهمّ مستند علمي لدينا حول المناخ»، مشيرة إلى أن الحكومات هي التي طالبت به «لذا لا بدّ لها من تبنّي نتائجه بعدما أقرته اليوم، ولا بد لها من التحرّك على هذا الأساس».
إلى ذلك، سيجري تلخيص هذا التقرير في عواصم كثيرة، ليقدّم إلى الوزراء المعنيين بشؤون المناخ. وغالباً ما تشكّل تقارير الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ «سلاحاً» في يد وزراء البيئة يسمح لهم بالتغلّب على نظرائهم في مجال الاقتصاد عندما تدور بينهم نزاعات، وفقاً لما قاله هاير.