أما وقد أقر مجلس الوزراء، «السياسة المتكاملة لقطاع محافر الرمل والاتربة والمقالع والكسارات» التي اقترحتها وزارة البيئة (نشرت «الأخبار» مضمونها أمس)، بقي أن يتم تحصينها بخيارات استراتيجية، ورد في «السياسة» أنها قيد الدرس. المقصود بذلك، المقارنة بين خياري الاستخراج والاستيراد، لا سيما في ما يتعلق بالمقالع المرتبطة بصناعة الترابة (الاسمنت) والمرامل. وهو موضوع يفترض أن يدرس جيداً، ليس لناحية الفروقات في الأسعار التي ستأتي حتماً لمصلحة المستهلك اللبناني، بل لناحية التوفير على الطبيعة اللبنانية وعلى صحة العاملين والمحيطين بمواقع هذه الصناعات الثقيلة والملوّثة. وفي هذه الحال، يُفترض عدم الاكتفاء بالدراسة التي أجرتها مؤسسة تشجيع الاستثمارات (ايدال) عام 2017 حول كلفة الاستيراد، كما ورد في «ورقة السياسة»، لأن هذه المؤسسة تدرس المواضيع لمصلحة المستثمرين، وليس من أجل المصالح العليا للدولة والشعب او لمصلحة البيئة.واذ تطرح الورقة نفسها إعادة النظر بالمخطط التوجيهي للمقالع والكسارات في وقت لاحق، يفترض اعادة التفكير بالمطالب والافكار الاستراتيجية التي طرحها حزب البيئة اللبناني في دراسة قدمها عام 2007، تتعلق بدرس امكان الاستثمار في قطاع المقالع والكسارات في مشاعات الدولة، وتحديداً في أملاك مصرف لبنان في منطقة الطفيل في السلسلة الشرقية (وهي مدرجة ضمن المخطط التوجيهي المعتمد حالياً في المرسوم التنظيمي رقم 8803 الصادر عام 2002 وتعديلاته في المرسوم 1735 الصادر بتاريخ 14/4/2009)، على أن يحتكر هذا الاخير الاستثمار في قطاع البحص عبر تأجير ملايين الامتار، على أن تشرف وزارة البيئة على التقيد بشروط الاستثمار والتجليل والتتريب وإعادة التشجير. وتكون النتيجة ضرب «عصافير» عدة بخطة واحدة: استفادة الخزينة من تأجير الأرض للمستثمرين بناء على دفاتر شروط ومناقصات وفق المراسيم التنظيمية والقانون الجديد الذي يفترض أن ينجز سريعاً، الاستفادة من عائدات التأجير ومن رسوم الاستثمار والاستخراج والكفالات المصرفية لضمان إعادة التأهيل بعد الاستثمار، وتشجير المواقع التي أصبحت قاحلة. وفي هذه الحال، لا شيء سيتغير على المستثمرين والعاملين في القطاع (الاستخراج والتكسير والنقل). أكثر من ذلك، فإن من شأن حصر أماكن الاستثمار في منطقة واحدة، تسهيل المراقبة والمحاسبة. بذلك يمكن لهذا المورد ان يصبح بمثابة «الذهب الأبيض» لمصرف لبنان، بدل «الهندسات المالية» والديون الاضافية… مع ما يتطلبه هذا الخيار من درس (لا سيما امكانية تجميع المنتوج على ارتفاعات متوسطة للاستفادة منها في شهري الثلوج) ومرحلة انتقالية.
أما في ما يتعلق بالتدقيق في كل الأعمال حول هذا القطاع، والمساهمة الفاعلة في تطبيق السياسات واستيفاء الرسوم من المتهربين منها، فمن المهم مراجعة قرار مجلس الوزراء رقم 19 بتاريخ 19/12/2017، والذي وافق فيه على طلب وزارة المالية تكليف قيادة الجيش -مديرية الشؤون الجغرافية، بمسح كافة مواقع المقالع والكسارات ومحافر الرمل العاملة والمتوقفة عن العمل وكافة المعلومات المتعلقة بهذه الاستثمارات كنوعية المواد وكمية الحفر والكميات المستخرجة وحجم المخزون وتاريخ الترخيص وجهة الاستثمار والإحداثيات الجغرافية للموقع وارقام العقارات والمنطقة العقارية وصور فوتوغرافية للموقع ومسوحات طبوغرافية وصور جوية حديثة… وذلك بهدف تحسين جباية الضرائب والرسوم، على أن تكون اي مهلة تعطى من الآن وصاعداً نهائية، ومع ضرورة الإسراع في إقرار القانون الناظم بدل المراسيم التنظيمية، وان تتحضر الدولة لحملة كبيرة من المقاضاة، تشمل قطاعاً كاملاً، لا أحد يستطيع الادعاء فيه انه يعمل بشكل قانوني وأن لديه حقوقا مكتسبة، وعلى الكل فيه أن يدفع، بعد أن عمل طويلاً وحقق ارباحاً خيالية من دون حسيب او رقيب.