من يطّلع على الرسائل التي وجّهها المدير العام لوزارة البيئة برج هتجيان إلى شركات الترابة، بعد اجتماع في مقر الوزارة في 27/4/2020 مع ممثلي الشركات وفي حضور وزراء الاقتصاد والتجارة والصناعة والبيئة، يعتقد لوهلة بأن الرسائل موجّهة من المدير العام لوزارة الصناعة لا البيئة!في هذه الرسائل، دعا المدير العام الشركات الى الالتزام بالشروط البيئية بحسب ما تنص عليه القوانين والمراسيم التنظيمية والقرارات الوزارية. إلا أنه، في ختام رسائله، دعاهم إلى تقديم ملف كامل لتأهيل مواقع الاستثمار في المقالع التابعة لهم مع خطة تأهيل المواقع المشوّهة بيئياً والفترة الزمنية اللازمة للتأهيل. بمعنى آخر، أمّن هتجيان لهذه الشركات المخرج «القانوني» لاستئناف العمل ضمن بدعة «المهل الإدارية» التي لا تصبح ملحة، كما في كل مرة، إلا تحت ضغط وقف العمل وصرف العمال والاعتصامات، علماً بأن المرسوم التنظيمي الرقم 8803/2002 وتعديلاته، يعتبر مواقع مقالع هذه الشركات خارج المخطط التوجيهي، ناهيك عن تأخر الوزارة المعنية في طلب تطبيق ما ورد في المادة 61 من قانون الموازنة العامة الرقم 143/2019، والتي حمّلت الشركات تكاليف المسح الميداني للمقالع والكسارات، تمهيداً لملاحقة المستثمرين المخالفين والمتخلّفين عن دفع الرسوم والغرامات.
وإلى ذلك، تأخرت وزارة البيئة كثيراً (عن عمد) في إعداد استراتيجية شاملة للتنمية المستدامة، واستراتيجية خاصة بكل ملف، وضمنها ملف المقالع والكسارات وشركات الاسمنت، كان يفترض أن تحدد من خلالها ــــ بالتنسيق مع الوزارات المعنية ــــ الحاجات الحقيقية لهذا القطاع، ودراسة الكلفة الاقتصادية والبيئية والصحية بالمقارنة مع إمكانيات فتح باب الاستيراد، أو لناحية اختيار الأماكن للاستثمار، وخطط إعادة التأهيل، وتحميل المشوهين والمخالفين التكاليف، وتغريم المتهربين من دفع الرسوم... وتنظيم كل ذلك بقوانين شاملة، بدل المراسيم المطعون ببعضها، والقرارات التي تجاوز الزمن بعضها، والتساهل ببعضها الآخر بيئياً. كما تجدر الإشارة الى أن بدعة «المهل الإدارية»، وذريعة «الاستثمار التأهيلي» التي يتم الإعداد لها في كواليس الوزارة مع المدير العام (الذي عاد وتسلم الملف مع الوزير الجديد دميانوس قطار بعد طول استبعاد مع الوزراء السابقين)، ليست موجودة في المراسيم التنظيمية المرعية الإجراء، وليس هناك سوى قرارات وزارية تحدثت عن التأهيل (من دون استثمار) لمقالع قديمة متوقفة قبل عام 2000، علماً بأن مجلس شورى الدولة كان قد طعن بكل ما يسمى «مهلاً إدارية» باعتبارها غير قانونية وكأنها لم تكن.
يأتي السجال بين الشركات والبيئيين المعترضين، ولا سيما الائتلاف الشعبي ضد المقالع والكسارات ومصانع الاسمنت، في ظروف بالغة التعقيد لناحية تسويق فكرة فتح باب الاستيراد لهذا القطاع مع التراجع الدراماتيكي في قيمة العملة الوطنية. مع ذلك، فإن هذه الشركات، كما يؤكد مراقبون، لا تزال تمتلك مخزوناً كبيراً من الكلنكر، وقد ارتفعت الأسعار، ولم تُدرَس كل هذه الخيارات مسبقاً، ضمن قواعد استراتيجية، توفق بين تأمين هذه المواد الاستراتيجية وتؤمن الإطار القانوني والفني السليم الذي يحمي، والاقتصاد والبيئة وصحة الناس، وتكون الدولة فيه العنصر الاقوى، وليس كما يحصل الآن من هرج ومرج ومواربة واحتيال على القوانين وتنفيعات، وتصبح الخزينة هي آخر من يستفيد من عائدات هذا القطاع الضخمة، بينما تموّل أحزاباً ومتحكمين ومؤسسات متنوعة.
ما الذي يمكن فعله الآن مع هذه الأزمة التي تصيب كل شيء؟ وماذا فعل وزير البيئة بعد أكثر من مئة يوم على تسلّمه الحقيبة؟
في كل الأحوال، لم تكن انطلاقة الوزير موفقة. فهو أعاد تكليف المدير العام الذي لم ينجح سابقاً في وضع أطر استراتيجية وقانونية للملف، ولم يعرض شيئاً جديداً على اللجنة الفنية التي ألّفها رئيس الحكومة بعد استضافته الشركات التي هددت بالإقفال وصرف العمال. هذه اللجنة التي يشارك فيها ممثلون عن رئيس مجلس الوزراء ووزارتي الصناعة والبيئة واتحاد بلديات الكورة وعن هيئات المجتمع المدني والأكاديمي في الكورة، إضافة الى ممثلين عن الشركات في منطقة شكا.
لم تتصف هذه اللجنة بالشمولية كما كان يفترض، مع العلم بأن مقالع شركات أخرى (في سبلين) غير مرخصة قانوناً أيضاً، وكان يفترض أن يكون لوزارة البيئة تصور أشمل لإدارة هذا القطاع لم يظهر في أي من اجتماعاتها، تماماً كما يحصل في اللجنة الفنية للنفايات. ولا نعرف، بالتالي، الى أين ستؤدي اجتماعاتها غير التمديد وإعطاء مهل جديدة، كما كان يحصل سابقاً، وكأن دولة لم تقم وثورة لم تقع! والأرجح أن يترك وزير البيئة هذا الخيار لمجلس الوزراء، بعد أن يعرض الواقع الذي لا يخلو من التعقيدات والأزمات، مع الإشارة الى أن صلاحيات إعطاء الرخص بالمقالع والكسارات هي للمجلس الوطني للمقالع وليس لمجلس الوزراء.