مطلع هذا الصيف، أزمات بيئية عديدة ستُضاف إلى الأزمتين الاقتصادية والسياسية، منها: انقطاع غير اعتيادي للمياه، ليس بسبب شح المتساقطات، بل بسبب شح المال وتراجع الإدارة، يترافق مع فوضى في التوزيع والقطع والبيع والاستغلال لرفع أسعار مياه الصهاريج وتلك المعبّأة، ومع فلتان في تشغيل الآبار الجوفية والسحب منها؛ وقف مشاريع معالجة مياه الصرف وتوقف المحطات القليلة التي كانت تعمل، بسبب شح العملات الأجنبية، ما يزيد من تلوث التربة والمياه السطحية والجوفية، فضلاً عن حل مشكلة معالجة الوحول التي تنجم عن معالجة مياه الصرف بسبب كلفتها العالية، بالتزامن مع إقبال المزارعين على ري المزروعات بمياه الصرف، ظناً منهم أنهم بذلك يوفرون في سعر المياه النقية والمواد الكيميائية المخصبة للتربة؛ زيادة مرجّحة في حرائق الاحراج مع تراجع جاهزية البلديات والدفاع المدني وقلة المتطوعين وأزمة الوقود؛ بدء التحوّل في تغيير محركات السيارات الصغيرة من البنزين إلى المازوت، ما سيؤدي الى ارتفاع نسبة تلوث الهواء، بالتزامن مع تراجع متوقع في نوعية الوقود في استخداماته كافة، المنزلية والصناعية والزراعية والمنزلية؛ تراجع مخيف في نوعية كل أنواع المنتجات التي ستحتوي على سموم قاتلة قبل أن تتحول سريعاً إلى نفايات تحتاج الى تكاليف عالية غير متوافرة للمعالجة، فتُرمى بشكل عشوائي لتتسبّب بمشاكل تلوث اضافية؛ فوضى عمل قطاع المقالع والكسارات والمرامل وشركات الترابة مع عشوائية في الاستخراج وتراجع اكيد في نوعية المواد المستخدمة في البناء...أضف الى كل هذه المشاكل، وضع النفايات المنزلية الصلبة بعد توقف العقود الأساسية للمعالجة وحصرها في الجمع والرمي العشوائي، وقد تساوت بيروت وجبل لبنان (الرمي في مطمري برج حمود - الجديدة والكوستا برافا) مع بقية المناطق لجهة الرمي العشوائي بدل المعالجة، بأقل كلفة ممكنة. وقد نشهد، قريباً، عودة «جبل النفايات» في برج حمود للارتفاع كما كان.
كل ذلك سيسهم في انخفاض خطير في نوعية الحياة في لبنان وزيادة الفاتورة الصحية، في وقت يعاني فيه القطاع من هجرة الأطباء والكفاءات الطبية وانخفاض نوعية الدواء والرعاية الصحية. وتراجع الصحة النفسية المسكوت عنها عادة في الخطط الصحية الحكومية، علماً بأن تراجع نوعية الحياة يسبب المزيد من حالات الاكتئاب وغيرها من المشكلات النفسية، فضلاً عن زيادة تلوث النظام الغذائي لناحية عدم مراقبة المنتج محلياً والتلاعب بنوعية المستورد للتوفير مع تغيير جذري في النظام الغذائي الحديث القائم بمجمله على المشتقات الحيوانية بعد ارتفاع أسعارها.
رغم ذلك، قد لا تكون كل أوجه الازمة سلبية، أو ربما تتسبب في بعض التحولات الايجابية على المدى البعيد، كأن يؤدي تقليل اعتماد النظام الغذائي على المشتقات الحيوانية الى الوقاية من أمراض العصر الشائعة، كارتفاع ضغط الدم وانسداد الشرايين. كذلك، قد تكون الازمة فرصة لإعادة النظر في قروض البنك الدولي ومشاريعه التي لم تنفذ او أهدرت عبر تنفيذ جزء منها، وقروض «سيدر» المتعلقة بإنشاء سدود سطحية ومحارق مكلفة وغير ضرورية وتوسيع مزيد من الطرق بدل دعم النقل العام (وليس دعم المحروقات). وهذا ما يتطلب إعداد استراتيجية متكاملة للتنمية المستدامة لم تنجز بعد، تحدد المبادئ والحاجات الحقيقية والأولويات، بدل مشاريع كيفما اتفق للحصول على قروض سريعة لا جدوى منها سوى تشغيل شركات استشارية او انشائية وتكبيد الشعب اللبناني ديوناً أبدية. وقد كان معيباً نقاش اللجان النيابية امس وسؤالها عن سبب عدم صرف قروض البنك الدولي التي وافق عليها مجلس النواب لتنفيذ المشاريع، بدل القيام، بعد كل هذا الانهيار، بمراجعة شاملة لكل الخطط والمطالبة باستراتيجية شاملة وبديلة لما بعد الانهيار؟
في الخلاصة، ورغم التراجع الحتمي والدراماتيكي في نوعية الحياة، لا يزال في الإمكان اعتماد سياسات جديدة منقذة من الموت المبكر. سياسات موفرة لا تحتاج الى مزيد من القروض بقدر الحاجة الى تغيير الرؤية وتخفيف الطموحات والسرقة والهدر والاستهلاك.