جمالية الأرقام تكمن في دقتها. لا إمكانية للخطأ في حضرة الأرقام. هذه إحدى المسلمات التي لا تقبل النقاش. لكن يبدو أن السوق العقارية في دول الخليج تأبى إلا أن تفاجئ الجميع وتشذّ عن هذه القاعدة الثابتة. المسألة لا تحتمل التأويل والتنظير. إما أن السوق تشهد حالة من الركود أو حالة من النمو. بهذه البساطة.
لكن للأرقام في الخليج قصة أخرى. هنا لا يعرف المستثمر على أي أرقام ومعطيات ووقائع يستند.

أدى التراجع في أسعار النفط بما يزيد عن النصف منذ منتصف 2014 وحتى الربع الأخير من عام 2015 الى أزمة حقيقية في اقتصاديات دول الخليج. فعلى الرغم من أن أسواق دول مجلس التعاون الخليجي ليست متطابقة، ويتميز كل منها بخصائص ومعطيات مختلفة عن الأخرى، إلا أن القاسم المشترك بينها جميعاً والذي يتحكم ويؤثر في اقتصاداتها الى حد كبير هو النفط والتقلبات في أسعاره نظراً الى أن الدخل القومي للدول الست التي تشكل مجلس التعاون الخليجي مصدره عائدات النفط بشكل رئيس. ونتج من هذا الانهيار في أسعار النفط ضرر أصاب قطاعات عدة، أبرزها القطاع العقاري.

دبي

فوفقاً لمؤشر العقار العالمي «نايت فرانك غلوبال هاوس» جاءت إمارة دبي للربع الثاني من عام 2015 في أسفل قائمة الأداء العقاري المكون من 56 مدينة في العالم. فتراجعت أسعار العقارات بأنواعها 12.2% في الربع الثاني من 2015. كما تراجعت أسعار العقارات السكنية 6.4% خلال الأشهر الثمانية من عام 2015.
أما مؤسسة «ستاندرد آند بورز» العالمية للتصنيف الائتماني فتوقعت في تقرير أصدرته في حزيران الماضي، أن تنخفض أسعار العقارات في دبي خلال الأشهر المتبقية من العام الحالي وبداية العام المقبل، بنسب تتراوح بين «10 إلى 20%».

شهدت السوق العقارية السعودية انخفاضاً بأكثر من 52% خلال شهرين

وانضم مصرف «بنك أوف أميركا ــــ ميريل لينش» الاستثماري الى قائمة المتشائمين إذ أشار في تقريره الأخير الى احتمالات تراجع كبير في أسعار عقارات دبي، وأن تواجه الإمارة بعض الصعوبات في إعادة جدولة بعض الديون.
طبعاً، لا تختزل دبي السوق العقارية في دول مجلس التعاون، لكن الواقع العقاري في الإمارة يعتبر مؤشراً مهماً على حالة الركود التي تصيب القطاع العقاري في الدول الست برمتها.
وأتت أزمة الاقتصاد الصيني لتدق إسفيناً جديداً في الأزمة العقارية الخليجية رغم أن لا معطيات دقيقة حتى الآن عن مدى تأثير هذه الأزمة في الأسعار.

السعودية

من جهتها، شهدت السوق العقارية السعودية انخفاضاً بأكثر من 52% خلال شهرين، حيث أشار المؤشر العقاري لوزارة العدل في حزيران الى تسجيل السوق نزولاً متتالياً في الطلب الذي يحقق مستويات قياسية أثر في نهاية المطاف على الأسعار. وكان رئيس لجنة التثمين العقاري في غرفة جدة عبدالله الأحمري أشار إلى إن نسبة الركود في السوق العقاري تتراوح بين 50 و60% بما جعل المواطن ذا الدخل المنخفض والمحدود بل حتى المتوسط يجد صعوبة كبرى في امتلاك أي نوع من أنواع العقار المعروض.

قطر

على الرغم من ذلك، وفي خضم هذا الجو المتلبد عقارياً تستعد دول الخليج لتدشين مشاريع عقارية وسياحية تزيد كلفتها على 20 مليار دولار بحلول الأعوام الأربعة المقبلة، وبخاصة في مجالات تشييد الأبراج ووحدات الإسكان الفاخرة، والمنتجعات والفنادق والمجمعات السياحية.
ولفت تقرير صادر عن شركة الاصمخ للمشاريع العقارية الى أن الإنفاق على المباني التجارية في قطر سيظل على مستوى عال خلال الأعوام الثلاثة المقبلة، مبيناً أن عدد الوحدات السكنية تحت الإنشاء يزيد على 20 ألف وحدة، متوقعاً اكتمال إنشائها خلال عام 2018.
ووفقاً للتقرير، فإن حجم المشاريع العقارية المقترحة حتى عام 2022 كبير للغاية حيث سيتم إنشاء قرابة 250 عقاراً لقطاع الضيافة معظمها سيكون فنادق، تستوعب 90 ألف غرفة، وستبنى أيضاً 55 ألف غرفة في أنواع عقارية مختلفة.
إذاً تترافق حالة الركود وضعف الإقبال والطلب مع حالة من النمو في المشاريع العقارية بشكل غير متناسب يدفعنا الى التساؤل: لمن تبنى هذه العقارات؟ من المشتري؟ وهل أصبح المواطن الخليجي كنظيره اللبناني غير قادر على التملك في دياره، مفسحاً المجال أمام المستثمرين الاجانب؟
(الأخبار)