لا يختلف اثنان على أنّ نمط الحياة السريع يولّد اضطرابات غذائية تلقي بثقلها على صحة الإنسان النفسية والجسدية. الحلول أيضاً باتت معروفة، وعلى رأسها ممارسة الرياضة. اكتساب أسلوب حياة صحي ونشيط، صار ثقافة تنتشر في مجتمعنا يوماً بعد يوم. ويترافق هذا الانتشار، مع ولادة كثير من النوادي الرياضية، فيما المنافسة بينها آخذة في الاشتداد. التباري بين هذه المؤسسات يتعلّق بما توافره للزبائن من معدّات حديثة ومتطوّرة، ونوعية الصفوف والمدرّبين، والخدمات المرافقة، والأهم الأسعار والعروضات.
مشهد الـgyms الذي نراه اليوم في لبنان، وخصوصاً في العاصمة، يدفع إلى السؤال عما يشجّع على دخول هذا النوع من المشاريع في بلد يعاني مواطنوه من وضع اقتصادي حرج؟

اهتمام متزايد بالصحة

لا يأخذ نادر طبوش الكثير من الوقت للإجابة: «السبب الرئيسي هو أنّ هذه التجارة آخذة في النمو في البلد (growing business)، نظراً إلى اهتمام الناس الزائد بالصحة». ويتابع صاحب ومدير نادي 360 الرياضي (فردان ــ بيروت) أنّ «هذه الثقافة تنتشر بكثرة يوماً بعد يوم. وكل وسائل الإعلام باتت تسلّط الضوء على أخطار السمنة وضرورة اتباع أنظمة غذائية صحية وسليمة ومتوازنة في آن معاً»، مؤكداً أنّه «صحيح أنّ عدد الذين يمارسون الرياضة فعلياً ليس كبيراً في البلاد، إلا أنّه لا يمكن لأحد إنكار إيجابيّاتها على صحة الإنسان».
ويلفت طبوش إلى أنّ قبل 10 أو 15 سنة لم يكن الوضع كذلك، إذ «لم يهتم الأفراد، إناثاً وذكوراً، بالحفاظ على أوزان مثالية، أو مقبولة على الأقل». هنا، يشير طبوش إلى أنّه إذا حسبنا عدد المشتركين في النوادي الرياضية في بيروت مثلاً، مقارنة بعدد سكّانها، نلاحظ أنّ نسبة هؤلاء لا تتجاوز الـ«2 في المئة»، مضيفاً: «نمط الحياة السريع وطبيعة العمل وراء المكاتب لساعات طويلة، صار يولّد نتائج سلبية جداً على صحة الإنسان. والأهم أنّ الجيل الجديد واعٍ جداً لضرورة الجمع بين الغذاء السليم وممارسة قدر كافٍ من الرياضة».

أعمار

هذا لا يعني أنّ الفئة المستهدفة بالنسبة للقائمين على 360 وزملائهم في العاصمة هي الجيل الجديد حصراً. هم يركزون على استقطاب أشخاص ترواح أعمارهم بين منتصف العشرينيات ومنتصف الثلاثينيات، «لكنّه في فترة قبل الظهر مثلاً نجد النادي يغص بربّات المنازل اللواتي غالباً ما تزيد أعمارهن عن الأربعين. أما بعد الظهر، فيأتي دور الموظفين والطلاب الذي ينهون دوامات العمل والدراسة الطويلة»، يقول طبّوش.
الجيل الجديد واعٍ لضرورة
الجمع بين الغذاء السليم وممارسة قدر من الرياضة


الأنشطة في النوادي باتت
ترتبط بالمناسبات الاجتماعية كعيد الأم وعيد الحب


مناسبات واجتماعيات

من الأهداف التي تسعى النوادي أيضاً إلى تكريسها ضمن أطر عملها اليوم هو تقديم مجموعة من الصفوف الرياضية التي تواكب أهم التطوّرات حول العالم في هذا المجال، مقرونة بأجواء اجتماعية محبّبة تساعد الزبون في الإحساس بالراحة الذي يشجّعه على الاستمرار، فضلاً عن تثقيفهم تجاه أنواع التمرينات الرياضية وأهميتها. الأجواء الاجتماعية المحبّبة يؤمنها الاختيار الجيد للفريق الودود والأنشطة التي تُنظّم داخل النوادي والتي باتت ترتبط بالمناسبات المختلفة كعيد الأم، وعيد الحب، وعيد الميلاد، وغيرها.
كذلك توفر النوادي مروحة متنوعة من الصفوف التي تضم الرقص بمختلف أشكاله أيضاً، ومساحات التدريب من خلال الأوزان والآلات الرياضية، حيت يوجد دائماً مدرّبون لمساعدة الزبائن، إضافة إلى أحواض السباحة والجاكوزي والسونا.

قصص الرواد

لنتنقل إذاً إلى الزبائن، ونستعرض بعض النماذج. بصراحة تامة، لا تتردّد دانا (27 سنة) في القول إنّها لم تفكّر يوماً في الانضمام إلى أي نادٍ رياضي، أو حتى ممارسة الرياضة أصلاً، «لكن حين قصدت اختصاصي تغذية لمساعدتي على إنقاص وزني، نصحني بالجمع بين النظام الغذائي والحركة للحصول على نتيجة أسرع وأفضل». هناك، شعرت دانا في الأيّام الأولى وكأنّها تخضع لنوع من أنوع «التعذيب»، لكن ما إن مرّ شهران، حتى «تعّلقت بالرياضة، خصوصاً أنّني بدأت ألمس تغييرات جدية في شكلي. لا أعتقد أنّني أستطيع التخلي عن الرياضة لفترة طويلة بعد اليوم».
أما ريان (29 سنة)، فقد التحقت بالـgym لسبب مختلف تماماً. «أعاني من ألم حاد في ظهري ورقبتي. طبيبي أكد لي أنّ أنواعاً محددة من الرياضة، بينها اليوغا والـ stretching، تشكّل جزءاً أساسياً من علاجي»، تقول، قبل أن توضح أنّ «الأمر يتطلّب الكثير من الصبر والإصرار في سبيل الاستمرار وبلوغ الأهداف المرجوّة، إلا أنّ النتيجة تستحق العناء والمال فعلاً». بالنسبة إلى سامي (34 سنة)، بدأت القصة «مزحة» بكل ما للكلمة من معنى. ففيما كان معظم زملائه في شركة صيانة وبيع الأدوات الالكترونية التي يعمل لديها يرتادون نادياً رياضياً قريباً من مقر العمل، كان هو يرفض مشاركتهم بسبب «ضيق الوقت والموازنة». لكنّه حين أُعجب بفتاة تقدّر الرياضة وتمارسها، قرّر التسجيل في الـgym نفسه الذي ترتاده. ويبدو أنّ خطّته نجحت، لأنّ الفتاة اليوم صارت خطيبته، لكنه لم يتخلّص من الاشتراك في النادي: «لا يمكنني إنكار فوائد الرياضة حتى على الصعيد العاطفي»، يشرح سامي ضاحكاً، ويضيف: «نشاطي صار أكبر وكذلك قدرتي على التحمّل. وشكلي أفضل بكثير بلا شك».
في المقابل، لجأ سمير (24 سنة) إلى الـ fitness club لأنّ «كل من حولي صار مشتركاً في نادٍ ما». يبدو أنّ هذا السبب لم يكن كافياً لحث الشاب على التزام خياره: «شعرت بالملل ولم أستطع الانضباط والتزام الذهاب إلى هناك. لذلك، لم يدم اشتراكي أكثر من شهر. التوفيق بين العمل والاجتماعيات وممارسة الرياضة مسألة صعبة جدّاً بالنسبة لي. لا أستطيع فعل هذا». من جهتها، خاضت لانا (30 سنة) تجربة رياضية مختلفة، إذ قصدت أحد النوادي الرياضية المعروفة في بيروت، والقريب من منزلها، بعيد معرفتها بأنّها حامل في الشهر الثاني. تصميمها على عدم اكتساب الكثير من الوزن، رافقته رغبة بممارسة رياضات مناسبة للحوامل، بما فيها الصفوف المائية، من أجل تسهيل فترة الحمل والولادة أيضاً. لكن رحلة لانا مع الرياضة لم تتوقف بعد الولادة، فهي منذ ثلاث سنوات تحاول المواظبة على ممارستها «قدر المستطاع».
أخيراً، تأتي رنا (47 سنة) ربّة المنزل التي تشعر بكثير من الملل قبل الظهر أثناء وجود زوجها في العمل وولديها في الجامعة. «النادي الرياضي كان أفضل حلّ. صحيح أنّني لست رياضية بامتياز، لكنّ المهم أنّني أحرص على تمضية وقت فراغي وأنا أفعل شيئاً مفيداً. الحركة جيّدة بكل الأحوال».

كلفة عالية

كثيرون يتحدثون عن ارتفاع التعرفة الشهرية التي تفرضها النوادي الجيّدة في العاصمة. التكلفة الشهرية في النوادي التي حاولنا الاتصال بها لكننا لم نلق تجاوباً سريعاً تراوح بين متوسط 95 دولاراً أميركياً و150 دولاراً أميركياً شهرياً. وفي حال قرّر الزبون الاستفادة من عرض لأشهر عدة فيمكن أن ينخفض المبلغ إلى 75 دولاراً.
يقول القيمون على هذه النوادي أن المبالغ المتقاضاة تشمل أمرَيْن أساسيَيْن: تغطية التكاليف والحفاظ على المستوى والنوعية. والأهم أنّ الاستمرارية والحفاظ على الزبائن، يتطلّب تأمين منتسبين قادرين على دفع هذا المبلغ بشكل دائم».
في الشق المادي، نلفت إلى أنّه في عدد كبير من النوادي البيروتية المعروفة لا يقتصر الأمر على التسعيرة الشهرية، بل تُفرض مصاريف أخرى مقابل رسوم تسجيل الاشتراك (registration fees)، وتصل إلى 30 دولاراً كحد أقصى. كذلك، إذا أراد المرء تجميد اشتراكه، يُطلب أحياناً من الزبون الدفع لقاء هذا، وقد يصل المبلغ إلى 20 دولاراً شهرياً.
إذاً، الجميع يُدرك أهمية الرياضة وهناك من يحاول ممارستها خارج النوادي الرياضية، غير أنّ الموجة اليوم تتجه نحو هذه الأماكن.
حسناً، هذا جيّد، لكن ماذا عن مَنْ لا يستطيعون الارتقاء إلى المستوى المادي الذي يطلبه الـ gym المتخصص؟ لعلّه ببساطة عليهم ابتكار حلول أخرى!




الرياضة تعالج الكآبة؟!

عادةً، يتبع ممارسة الرياضة إحساس بالراحة. تجمع غالبية الدراسات على أنّه يمكن التغلب على الكآبة بممارسة الرياضة. يثبت الباحث جورج مامين من «جامعة تورونتو» الكندية في دراسة نشرها في تشرين الأوّل (أكتوبر) عام ٢٠١٣ في الـ American Journal of Preventive Medicine أنّ ممارسة التمارين الرياضية باعتدال يمنع حصول نوبات الاكتئاب على المدى الطويل. وأكّدت دراسة أخرى أجريت في جامعة برن السويسرية في أيلول (سبتمبر) الماضي أنّ لهذه التمارين تأثير الأدوية المضادة للكآبة والمهدّئات نفسه، إذ اتضح أنّها وسيلة فعّالة للحد من أعراض الاكتئاب، وبمثابة مكمّل أو حتى بديل عن الأدوية في هذه الحالات. كيف؟ من خلال إفراز هورمونات في الجسم مثل الإندورفين، تمنح المرء شعوراً جيّداً، وفق ما أكد باحثون في موقع «مايو كلينيك». هؤلاء شدّدوا على أنّ هذه الهورمونات تعمل كالمسكنات التي تقلل الإحساس بالألم. كذلك، تحد الرياضة من المواد الكيميائية في جهاز المناعة المحفزة لحصول الكآبة، فضلاً عن زيادة درجة حرارة الجسم والتي قد تكون لها آثار مهدّئة. إلى ذلك، تعزّز التمارين الثقة بالنفس لدى الشخص الفرد، وتساعده في طرد القلق من ذهنه والتخلّص من همومه، ما يولّد شعوراً بالراحة، ويحسّن القدرة على النوم.