"السياح الخليجيون هم العامود الفقري للقطاع الفندقي". استناداً الى هذا المعطى الأشبه بحقيقة حتمية، يقيّم نقيب أصحاب الفنادق في لبنان بيار الأشقر الموسم السياحي المرتقب الصيف المقبل. ووفقاً للأشقر، "ميزة السائح الخليجي تكمن في قدرته الشرائية التي لا يتمتع بها أي سائح يزور لبنان. أما الأهم فهو أن مدة إقامة الخليجيين تعتبر أطول مدة يقضيها أي سائح في أي مكان في العالم، وهي تتراوح بين 15 يوماً وشهرين".نظرة سريعة على أعداد الخليجيين الذين قصدوا لبنان في السنوات الخمس الماضية تظهر حجم التراجع. فقد تراجعت بحوالى 73% من 386 ألف سائح عام 2010 الى ما يناهز 105 آلاف عام 2015.
صحيح أن للسياح العرب الآخرين أهمية كبيرة في إنعاش القطاع، إلا أنه لا يمكن مقارنة مدة إقامتهم بمدة إقامة السائح الخليجي. وما يحكى عن تعويض السياح العراقيين والأردنيين للسياح الخليجيين ليس دقيقاً. فرغم تكاثر أعدادهم، إلا ان مدة إقامتهم لا تزيد في أغلب الأحيان على خمسة أيام.
المشكلة مع دول الخليج سياسية وحلها سياسي. وهي رغم حدّتها، إلا أن هذه ليست المرة الاولى التي تعاني فيها العلاقات بين لبنان والخليج من بعض الفتور. في فترات برودة العلاقات سابقاً، لم يتوان الخليجيون عن المجيء الى لبنان. فما الجديد اليوم؟
يلفت الأشقر الى أنه " تاريخياً لم يكن السائح الخليجي يتأثر الى حد كبير بالمواقف والأزمات السياسية، وكان يثابر على القدوم الى لبنان رغم توتر الاوضاع في أحيان كثيرة ورغم التحذيرات والمخاوف. الفارق حالياً أن الأزمة السياسية والاصطفافات أخذت أبعاداً أكبر من الماضي بحيث بات يصعب على المواطن الخليجي غض النظر عنها".
يقود المشهد الى السؤال البديهي عن تخفيض الأسعار لمواجهة هذا الواقع. ولكن يصدمك جواب الأشقر عن المضاربة غير المشروعة التي تلغي أي إمكانية لتخفيض الأسعار. صعوبة الأوضاع باتت تهدد الكبير كما الصغير. لا خيمة فوق رأس أحد، والجميع يستشعر الخطر. وفي مشهدية منطقية لصراع البقاء والداروينية الاقتصادية حيث الحيتان تبتلع صغار الأسماك، يوضح الأشقر أن "المضاربة جنونية ووصلت الى حد أن فنادق الخمس نجوم تخفض أسعارها بشكل حاد من 350 أو 400 دولار لليلة الى حدود 120 و150 دولاراً لتأخذ حصة فنادق الأربع نجوم والثلاث نجوم".

الفوتبول هو الحل

وكأنه لم يكن يكفي المطاعم والمقاهي الفضائح المتتالية المرتبطة بسلامة الغذاء والتي دفعت أعداداً كبيرة من اللبنانيين الى التفكير مرتين قبل تناول الطعام خارج المنزل، حتى فاحت رائحة النفايات على امتداد العشرة آلاف كيلومتر مربع.
ويلفت نقيب أصحاب المطاعم والمقاهي والملاهي طوني رامي الى أن "أزمة النفايات أثرت سلباً على القطاع العام الماضي وأدت إلى تراجع الحركة بنسبة 50%. وفي حال لم تُحل هذه الأزمة جذرياً، ستكون الانعكاسات كبيرة خلال فصل الصيف".
ولكن ماذا عن الخطوات التي ستتخذها المطاعم والمقاهي لجذب الرواد في ظل غياب السائح الخليجي؟ كرة القدم هي المنقذ.
تسعى المطاعم والمقاهي الى تسجيل هدف في مرمى الركود من خلال الاستفادة من انطلاق بطولة كأس أوروبا في حزيران الجاري. وفي هذا السياق يقول رامي: "تمكنا من الحصول على أسعار جيدة من شركة bein بهدف نقل مباريات كأس أوروبا من دون أي زيادة في الاسعار أو فرض تسعيرة جاهزة مسبقاً. وتم الاتفاق على حسم 10% للمطاعم المنتسبة للنقابة بعد ابراز ايصال القبض الصادر عن النقابة لعام 2016".
فنادق الخمس نجوم تخفض أسعارها لتنافس فنادق الثلاث والأربع نجوم

رمضان والصيف

توقيت شهر رمضان صيفاً لا يرهق فقط الصائم، بل يستنزف طاقة السياحة البحرية. وفقاً لنقيب أصحاب المجمعات السياحية والبحرية جان بيروتي فإن "موسم الصيف ليس على قدر التوقعات حتى الآن. هطول الامطار خلال أيار كان له أثر سلبي، وفي حزيران سيحل شهر رمضان ما يعني أن الموسم الذي ينتهي حوالى منتصف أيلول سينحصر بـ 40 يوماً فقط بدل 5 أشهر، للعام الثاني على التوالي".
بيروتي يطمئن الى نظافة البحر من النفايات، ولكن ليس من الصرف الصحي! ويوضح أنه لن يكون هنالك ارتفاع في الأسعار لا بل على العكس "عروضات مش طبيعية".

اللبنانيون يغادرون

اللافت خلال محاولة استشراف واقع فصل الصيف المرتقب الحديث الذي لا ينضب عن تفضيل الكثير من اللبنانيين قضاء عطلتهم في الخارج. إذاً لم يعد يقتصر الأمر على جذب السياح الأجانب، بل أصبحت السياحة الداخلية مهددة في الصميم.
الوضع الأمني غير المستقر في دول الجوار دفعها الى تقديم عروضات خيالية بأسعار مخفضة جداً ما جذب أعداداً غفيرة من اللبنانيين. ويوضح رامي أن "عيد الفصح أثار قلقنا ودق ناقوس الخطر نظراً لأن آلاف من اللبنانيين قضوا العطلة في شرم الشيخ وتركيا. ويظهر أن نسبة اللبنانيين الذين سيقضون إجازاتهم الصيفية في الخارج ستكون كبيرة".
معطيات الأشقر مشابهة لمعطيات الرامي، إذ يشير الى أن "إقبال المغتربين ليس كبيراً، والمتمكنين منهم مادياً يفضلون قضاء إجازاتهم في دول أخرى. وفي حال أتوا الى لبنان لا تتجاوز فترة زيارتهم أياماً معدودة"، لافتاً الى ظاهرة تتكاثر في لبنان وهي "ارتفاع أعداد اللبنانيين الذين يعقدون قرانهم في الخارج" ما أفقد السياحة الداخلية أحد أبرز ركائزها التي تتكل عليها صيفاً.
تراجعت مساهمة القطاع السياحي في الناتج المحلي الإجمالي في لبنان بمقدار النصف لتهبط من 7 مليارات دولار عام 2010 الى 3.5 مليار عام 2015. الرقم خطير ويؤشر الى حجم الأزمة التي يعاني منها القطاع ما يجعل صمود المؤسسات السياحية إعجازياً في ظل الظروف التي شهدها البلد في السنوات الأخيرة. السؤال الكبير يبقى أنه إذا كانت عودة السائح الخليجي مرتبطة بالسياسة، فما الذي سيدفع اللبناني الى السياحة الداخلية وتجنب السفر؟