في حال تصاعد وتيرة الخلاف وتدهور العلاقات بين طهران والرياض، سيكون لبنان، كما يرى خبراء اقتصاديون متابعون، معرّضاً لخسارة فرص اقتصادية تفوق قيمتها 3 مليارات دولار عام 2016، في ظل تأثره المباشر بالصراع بين الدولتين اللتين ترعيان وتدعمان القوى السياسية المتنافسة فيه.

السعودية الأكثر تأثيراً

تكمن الأهمية الاقتصادية للمملكة العربية السعودية، بالنسبة الى لبنان، في أن أكثر من 350 ألفاً من اللبنانيين مقيمون على أراضيها، يحوّلون نحو 4,5 مليارات دولار سنوياً إلى بلدهم الأم. كما تشكل السعودية بوابة رئيسية للمنتجات اللبنانية الى الأسواق الخليجية، ومورّداً مهماً للنفط الخام والمنتجات البتروكيماوية للأسواق اللبنانية. وتعد كذلك مصدراً مهماً للاستثمارات المباشرة وغير المباشرة في مختلف القطاعات اللبنانية، ولا سيما القطاعين العقاري والسياحي، إذ يشكل السعوديون على سبيل المثال أكثر من 20% من حجم السياحة الوافدة الى لبنان.
وفي سياق متصل، بلغت قيمة الصادرات اللبنانية إلى السعودية عام 2014 نحو 377.5 مليون دولار. وصنفت المملكة في المرتبة الأولى على لائحة أهم أسواق الصادرات اللبنانية عام 2014، واستأثرت بنحو 11% من إجمالي هذه الصادرات، فيما بلغت قيمة البضائع المستوردة منها عام 2014 نحو 415.4 مليون دولار.
وبلغت قيمة التدفقات الاستثمارية السعودية المتراكمة في لبنان بين 1985 و2009 نحو 4 مليارات و819 مليون دولار، نسبتها 39% من إجمالي الاستثمارات العربية في لبنان. وانحصر التوزع القطاعي لهذه الاستثمارات في ثلاثة قطاعات رئيسية هي: القطاع العقاري (56%)، القطاع المصرفي (20%) والقطاع السياحي (13%). وبلغت نسبة تحويلات المغتربين من المملكة إلى لبنان 8% من مجموع التحويلات إلى لبنان لتحل بذلك في المرتبة الخامسة بعد الولايات المتحدة (22%)، أوستراليا (14%)، كندا (13%) وألمانيا (10%).

إيران... شبه معدومة

دفع الاتفاق على البرنامج النووي الإيراني في آب الماضي والآفاق الجديدة التي سيرسمها احتمال عودة إيران إلى المجتمع الدولي مع رفع العقوبات عنها، بوفد من رجال الأعمال اللبنانيين إلى الذهاب إلى إيران للبحث مع المسؤولين الإيرانيين في أطر تعاون استثماري وتجاري تمثلت بوضع خطط للاستثمارات اللبنانية في إيران، والاستثمارات الإيرانية في لبنان، إضافة الى التبادل التجاري بين البلدين، والاستفادة من الخبرات الإيرانية في مجال الكهرباء وغيرها من القطاعات الصناعية.
لكنّ التوتر المتزايد في العلاقات السعودية ــــ الإيرانية جمّد كلّ احتمالات التعاون بين البلدين. ونتيجة لذلك، يمكن أن يخسر لبنان فرصة اقتصادية كانت ستؤمّن له أكثر من 3 مليارات دولار هذا العام موزّعة بين القطاع المصرفي والقطاع الحراري والقطاع الخدماتي، كما يرى الخبير الاقتصادي وليد أبو سليمان.
وبحسب مركز الدراسات الاقتصادية في غرفة التجارة والصناعة في لبنان، بلغت قيمة الصادرات اللبنانية إلى إيران عام 2014 نحو 3.2 ملايين دولار، أما حجم الواردات منها فبلغ نحو 50.1 مليون دولار. وتشير دراسة صادرة عن غرفة التجارة والصناعة اللبنانية في بيروت إلى غياب شبه تام للاستثمارات المتبادلة بين لبنان وإيران.

هوى الاقتصاد سعودي

يرى بعض الخبراء أن الأزمة الحالية بين الرياض وطهران قد تساهم، خلال الفترة المقبلة، في تدهور أسعار النفط بشكل أكبر، إذ إن الصراع الحالي سيبدّد أي فرصة قائمة لحصول اتفاق بين البلدين ضمن منظمة "أوبك" على خفض الإنتاج، ما يعني أن الكميات الكبيرة التي تنتجها دول المنظمة ستبقى كما هي، إضافة إلى توقع زيادة إيران لصادراتها النفطية بعد الاتفاق النووي الموقع مع الدول الكبرى.
ويوضح أبو سليمان: "رغم أن لبنان ليس محوراً أو طرفاً في الاشتباك القائم، إلا أن ارتفاع سعر برميل النفط 2% فقط يؤثر سلباً على المستهلك اللبناني وعلى خزينة الدولة لما تتكبده من عجز على مؤسسة كهرباء لبنان جراء الفاتورة النفطية. أما بالنسبة الى مصالح اللبنانيين في البلدين، فهناك تخوف من تسريح السعودية عدداً من اللبنانيين الموجودين في المملكة في حال صدور ردود فعل لبنانية لا تعجبها".
وعن احتمال تأثر سعر الريال السعودي وقيمته بالأزمة، يؤكد أبو سليمان أن "من الصعب أن يتراجع سعر صرف الريال، لأن المصرف المركزي السعودي يملك ما يكفيه من سيولة تمكنه من التدخل لشراء الريال وعرض العملات الأجنبية."
وفي الإطار عينه، يرى الخبير الاقتصادي والاستراتيجي سامي نادر أنه "إذا ما استمرت الأزمة الإيرانية ـــــ السعودية وتطورت لتبلغ حد الفتنة الشيعية ــــ السنية، فإن الانعكاس الأول سيكون على اللبنانيين الموجودين في الخليج، إذ ستتأثر ظروفهم الاقتصادية والاجتماعية سلباً، ما سينعكس حكماً على الداخل اللبناني. من جهة أخرى، يرتكز الاقتصاد اللبناني بنسبة كبيرة على تحويلات اللبنانيين الموجودين في منطقة الخليج، فأكثر من 50% من اللبنانيين العاملين في الخارج يتوزعون على دول مجلس التعاون الخليجي". ويضيف ان "حجم العلاقة الاقتصادية بين لبنان وإيران لا يقارن بتلك التي تقوم بين لبنان والسعودية. فلبنان دولة عربية، وقد استفاد من الثورة الاقتصادية التي شهدتها الدول الخليجية، لذلك من الضروري أن يبقى بمنأى عما يحصل بين الدولتين لأنه سيكون المتضرر الأكبر".
قد يكون النأي بالنفس في السياسة أسهل منه في الاقتصاد، والضريبة التي قد يدفعها لبنان جراء الصدام السعودي ــــ الإيراني قد تكون أكلافها باهظة علينا. صحيح لأنه لا قدرة للبنان على الوقوف طرفاً مع أي من المتخاصمين، لكن الأكيد أن للسعودية تأثيراً هائلاً لا يقارن بالتأثير الإيراني على الاقتصاد اللبناني وعلى معيشة مئات آلاف اللبنانيين.