البيرة المحلية الصنع تعود إلى سوريا. فبعد أن توقف الإنتاج في المصنعين اللذين تديرهما الحكومة («بيرة بردى» في دمشق، و«بيرة الشرق» في حلب) جراء الحرب المندلعة في البلاد، انطلق إنتاج بيرة «أرادوس» بصنفيها، الكحولي وغير الكحولي، في 23 آب المنصرم بكلفة قاربت 16 مليون دولار، وهو ما قد يشكل خطراً على شركات البيرة اللبنانية التي كانت تصدّر قسماً من إنتاجها إلى سوريا لتغطية النقص في السوق المحلية.
المصنع الجديد يديره رجال أعمال سوريون يعيشون في جمهورية التشيك التي استورِدت آلات المعمل الحديثة ومواد الإنتاج الأساسية منها. ووفقاً لمدير المعمل باسل عباس «تُنتَج البيرة بطاقة إنتاجية تصل إلى 1.5 مليون ليتر سنوياً، بمعدل 4.5 ملايين عبوة سعة 0.33 ليتر، مع إمكانية زيادة الطاقة الإنتاجية في الأشهر الثلاثة المقبلة إلى 3 ملايين ليتر سنوياً بمعدل 9 ملايين عبوة. وبذلك تنتهي المرحلة الأولى من المشروع، لتبدأ المرحلة الثانية مطلع السنة المقبلة لمدة عام، لتصل الطاقة الإنتاجية إلى نحو 15 مليون ليتر سنوياً بعبوات مختلفة الأحجام».
مصنع للبيرة بهذه الكلفة في بلد يعاني ما يعاني، قد يثير استهجان الكثيرين، فهل سوريا في وسط هذا الجنون بحاجة إلى مسبّب إضافي «لتطيير العقل»؟ وهل يعقل أن تكون البيرة قد عادت إلى بلاد الشام قبل ملايين السوريين الذين تهمهم «الرجعة» بدل «الجعة»؟
أسئلة مشروعة لا شك، ولا يلام من يطرح علامات استفهام عن الجدوى من مشاريع كهذا، وعن الأولويات لدى بعض المستثمرين في مرحلة ما قبل انطلاق عملية الإعمار المرتقبة، وهل الجهود ستكون منصبّة لتوفير ما يحتاجه السوريون من ضروريات، أو أن الكماليات المربحة قد تجد موطئ قدم لها في اقتصاد ما بعد الحرب؟
لكن، في المقلب الآخر، لا يمكن إسقاط افتتاح المصنع من السياق التاريخي الحالي وما تعيشه سوريا والمنطقة، وهو ربما ما لا يقصده المستثمرون أصحاب المصنع وما لم يفكروا به.
عودة البيرة المحلية التصنيع انتصار رمزي لفكرة. ففي خضمّ ما تعيشه سوريا من ويلات وصراعات نفوذ ومصالح دول، فإنها قبل كل شيء تشهد صراع أفكار، والبيرة في هذه الحال جزء من هذه المعركة. ليس لأنها بيرة، بل لأنها ترمز إلى أبعد من الخمر، إلى نمط حياة رافق نشأة الدولة السورية كما نعرفها.
تعود البيرة لشرب نخب انتصار فكرة. انتصار أكبر من المتقاتلين أنفسهم!