يمكن لأي شخص مقتدر تملّك يخت بسهولة في لبنان. وتماماً مثل السيارات، تختلف أسعار اليخوت وفقاً لأصنافها وأنواعها العديدة، من هنا يُستشفّ التباين في أسعارها كما يشير عدد من الخبراء البحريين وأصحاب الشركات. بحسب أحدهم، يبلغ الحد الأدنى لسعر اليخت (دون محرّك) في شركة التصنيع الأمّ قبل دخوله الى لبنان حوالى 15000 إلى 16000 يورو، أي دون احتساب كلفة الشحن أو الجمرك أو الـ TVA.

وهكذا، فإنّ سعر أصغر يخت يدخل الى لبنان هو حوالى 35000$ دون محرك و50000$ مع محرك. بالمقابل، يؤكد صاحب شركة أخرى أنّ مبلغ 10000$ يُخوّلك اقتناء يخت صغير مجهّز. ولعلّ الاختلاف في الأسعار المطروحة يعود أيضاً إلى النوعية والتداخل في التصنيفات أحياناً بين يخت ولانش ومركب شراعي.
وتُظهر جولة على المعنيين بالموضوع أنّ سوق اليخوت تحكمها قوانين وُضعت لصالح اليخوت الضخمة وتلك المسجلة في الخارج بحجة تشجيع السياحة وتحت ذريعة جذب أصحاب المال للاستثمار فيه، بينما يخضع اليخت الصغير المستورد لرسوم أعلى.

ضريبة «تناقصية»!

ومع أنّ الرسوم المفروضة على اليخت تُتخذ في العالم حسب طوله ونوعه وقيمته، إلّا أنّ قانون الجمارك اللبناني اعتمد تصنيفاً مغايراً إذ يتوجّب على مالك اليخت الذي لا يتجاوز طوله الـ15 متراً دفع 15% رسوم جمرك عند إدخاله الى لبنان (لحماية الصناعة الوطنية التي لا تنتج يخوتاً تتخطى هذا الطول)، إضافة الى الضريبة على القيمة المضافة (10%) التي تُحسب على المجموع.
في الجهة الأخرى، يُعفى اليخت الذي يتخطى الـ15 متراً من الجمرك ويدفع صاحبه فقط 10% (TVA) على السعر الإجماليّ. فهل يُعقل أن يدفع من يشتري يختاً بـ30 الى 50 ألف دولار رسوم الجمرك والـTVA، بينما يعفى من يملك يختاً بنصف مليون أو 10 ملايين دولار منها؟ والمضحك المبكي أيضاً إعفاء صاحب اليخت من الضرائب والرسوم الجمركية في حال امتلاكه لجنسية أجنبية أو إقامة غير لبنانية، باستثناء دفع مصاريف رخصة الدخول المتواضعة. ويشبه هذا التنظيم قانون الإدخال المؤقت للسيارات، وهو ما قد يدفع العديد من الأشخاص الى اللجوء الى هذه الميزة وإدخال يخوت على أساس مؤقت للتهرّب من الجمرك والرسوم.

عناصر الكلفة

بالعودة الى عناصر الكلفة، يشير الكابتن هيثم شعبان، الخبير البحري المحّلف، الى اختلاف أسعار اليخوت بين جديدة أو مستعملة على غرار السيارات، ووفق سنة التصنيع وحسب علامتها التجارية، لافتاً الى أنّ استيرادها يتمّ بشكل كبير من إيطاليا التي تشتهر بصناعة اليخوت، إضافة الى فرنسا. كما يتمّ استيراد تلك المستعملة من الولايات المتحدة الأميركية. وعن صناعتها المحلية، يؤكّد أنّها «خجولة وتقتصر على الزوارق الصغيرة التي يتراوح طولها بين 12 و16 متراً تقريباً وذات القطع الصغيرة، ولا تستطيع المنافسة على عكس اليخوت الإماراتية الفخمة مثلاً التي يلامس طولها الـ85 متراً».

سعر أصغر يخت
يدخل الى لبنان
هو حوالى 35000$

ويشرح أنّ «رسوم ركن اليخت الأجنبي في سوليدير أو ضبية أو الموفنبيك هي أعلى من رسوم ركن اليخت اللبناني. ومع أنّ تسجيل اليخوت في الخارج هو حرية شخصية، يمكن التشجيع على تسجيلها في لبنان لتوسيع الأسطول اللبناني لليخوت فيصبح المالك ملزماً على ركنها في لبنان حيث مرفأ الارتباط وسيدفع عندها رسوم أقلّ للموقف وبرضاه».

الموقف... الكلفة الأكبر

وإضافة الى رسوم الاستيراد السابقة الذكر، يُعدّد مدير المبيعات في شركة «شهاب مارين» فراس خليفة، عناصر كلفة اليخت في لبنان، فيبدأ بسعره الذي يبلغ حده الأدنى 30000$ (عبارة عن زورق صغير جديد مزوّد بمحرّك ومصنوع في الخارج) وصولاً الى ملايين الدولارات. ويذكر الإضافات العديدة المتاحة كالردار، مولّد الكهرباء، شبكة الاتصالات مع الأقمار الصناعية لليخوت الكبيرة التي تُزوّدها بالإنترنت، الستاليت TV وغيرها. «وتتراوح قيمة التأمين البحري بين 1 و2% من سعر اليخت الإجماليّ، وهي إلزامية. ويُشكّل رسم الموقف التكلفة الأكبر التي يتكبّدها صاحب اليخت إذ يبلغ 300$ على المتر سنوياً وقد يصل الى 1000$. ويُعدّ سعر الركن في بيروت الأعلى (أي في الزيتونة باي وسمرلند والموفنبيك)».
تجدر الإشارة الى أنّ الربان يقود اليخت إجمالاً وليس المالك و»يتقاضى مبلغاً شهرياً قدره 1500$ بالحدّ الأدنى وصولاً الى 6000-7000$ للذي يعمل في اليخوت الكبيرة، علماً بأنّ الكابتن هو موظّف يتقاضى أجره بشكل متواصل على مدار السنة. أمّا الموظف البحري الذي يساعده في اليخوت الكبيرة، فيتقاضى من 1000 الى 1200$ شهرياً»، حسب خليفة الذي يضيف: «تتمّ صيانة اليخت مرة في السنة وتُقدّر كلفتها وفقاً لحجمه. مثلاً، تبلغ كلفة صيانة يخت الـ30000$ حوالى 2000$ سنوياً. ولا يمكن إغفال تكاليف التشغيل الأخرى من مازوت وغيره. أمّا اليخت المُسجل في الخارج، فيحصل على شهادة إدخال مؤقت لمدة ثلاثة أشهر، وتبلغ قيمة دخوله وخروجه حوالى 1000$».

100 مليون مع الإضافات

بدوره، يفنّد المدير التنفيذي لـTeam nine اليكو شيحا عناصر كلفة اليخت من تسجيل، الى الجمارك والرسم السنوي، الى رخصة التجوّل على غرار ميكانيك السيارات، الى التأمين البحري. ويلفت الى «حرية الزبون بشراء يخت مع أو بدون محرّك، ولكن من المستحسن أن يشتريه مجهزاً كاملاً مع محرّك خصوصاً في حال استيراده من الخارج. ويُقدّر سعر اليخت الجديد وفق عدة عوامل منها قياس المحرك وحجمه وقوته والإضافات عليه. ويمكن الحديث عن أسعار تبدأ بعشرة آلاف دولار وتصل الى مئة مليون دولار. أمّا كلفة الشحن، فتتراوح تقريباً بين 10 و15% من سعر الزورق».
ويضيف: «نتكبّد على أي قطعة نستوردها من الخارج مصاريف بحدود الـ40% لتصل الى مخزننا في جونية أو بيروت وتشمل الجمرك والـTVA والشحن والتأمين والخبرة». وعن كلفة الصيانة، يفرّق هنا بين حالة اليخت الجديد من جهة والمستعمل من جهة أخرى. «فتكون قيمة الصيانة 10 % سنوياً من قيمة زورق قديم مستعمل لم يعد على كفالته وتشمل الموقف والتأمين والميكانيك ورخصة التجول. وتنخفض كلفة الصيانة بطبيعة الحال إذا كان اليخت جديداً».

رسوم تسجيل مُشجّعة

يتمتّع اليخت بجنسية يُظهرها العلم الذي يحمله. ولكن الملفت حسب الكابتن شعبان أنّ «كلفة تسجيل سيارة تضاهي كلفة تسجيل يخت ليتمكّن من رفع العلم اللبناني. من هنا أهمية إعادة النظر بهذه الميزة بعد المقارنة مع قوانين دول كموناكو وفرنسا وإيطاليا حيث تتواجد فيها أهمّ اليخوت في العالم». ويذكّر بميزة أخرى من الأفضل إعادة النظر فيها «اتخذت لإعفاء اليخت المُسجّل في الخارج من رسوم الجمارك كنوع من الامتياز لتشجيع السياحة وجذب الأغنياء من الخليجيين أو الأتراك أو اليونانيين وغيرهم كي يركنوا يخوتهم في المياه اللبنانية».
وعن سبب غياب ضريبة تصاعدية تفرضها الدولة وفق قيمة اليخت وطوله، يُشدد شعبان على أنّ «موضوع الجمارك على القطع البحرية غير ملحوظ في دول العالم، لأنّ اليخت يركن في البحر أي في منطقة تقع خارج إطار الضرائب. ولا يمكن تحميل مالك يخت يساوي مثلاً 3 – 4 ملايين دولار 15% جمارك و10% ضرائب، فعندها سيختار دولة أخرى كمصر أو قبرص أو اليونان وسيزور لبنان لساعات معدودة. من هنا، إنّ فرض ضريبة تصاعدية يبعد مالكي اليخوت عوضاً عن استقطابهم».

السياحة المائية في خطر

بالنسبة للمشاكل التي يعاني منها قطاع اليخوت في لبنان، يرى اليكو شيحا أنّ «الدولة تقسو ولسبب أمني في مسألة تجوّل الزوارق في المياه. يحتاج مثلاً الزورق الذي يركن في ضبيه الى معاملة إذن سفر عند رئيس الميناء (مع تحديد أسماء الطاقم وإعطاء خبر للأمن العام ولمخابرات الجيش وللجمارك لتتأكد من الذهاب والاياب) كي يتمكّن من الإبحار نحو موقع يبعد عنه 200 متر (في الهوليداي بيتش) قبل العودة في اليوم الثاني، على اعتبار أنّ الإبحار يتمّ من قضاء الى آخر ويتخطى مدة الـ24 ساعة تماماً كالمعاملة التي يحتاجها من يسافر الى قبرص، دون إغفال الرسوم التي يتكبّدها ذهاباً وإياباً جراء كل هذه المعاملات الإلزامية، وهذا ما يؤثر سلباً على السياحة المائية في لبنان، إذ ينظر الى اليخوت على أنها بواخر شحن بغض النظر عن طولها. فاللانش الصغير الذي لا يتخطى سعره الـ10000$ يتكبّد مصاريف للدولة بقيمة 300$ على جولة واحدة، عدا عن المصاريف الأخرى من وقود وغيره في حال أراد البقاء خارج موقفه في المارينا وتخطت رحلته بذلك الـ24 ساعة». ويدعو شيحا الدولة الى مساندة هذا القطاع «فأي بلد سياحي في العالم تعكسه صورة يخت أو شراع جميل. لذلك، من الضروري تنظيف البحر لكون التلوث يظهر جلياً فيه خصوصاً بسبب المياه الآسنة. وعند التنقل من خليج جونية وصولاً الى الدورة، يصعب على المركب المرور بسبب الرائحة والنفايات، وهو ما حمل اللبنانيين على السفر نحو قبرص واليونان». فهل سيتحرّك المعنيون قبل فوات الآوان؟




تهرّب ضريبي وفساد

تختلف رسوم ركن اليخت سنوياً حسب حجمه وطوله ومكان الموقف أو المارينا، فتبلغ 550$ تقريباً على متر اليخت في مارينا ضبيه وتشمل تأمين الكهرباء والمياه (في ساعات محددة) مجاناً. بينما يكون رسم الموقف في السوليدير بحدود الـ 750$ للمتر، وتكون المياه والكهرباء مدفوعة على حدة. وتقول مصادر مطلعة أنّ المشكلة كامنة بمحدودية المواقف وصعوبة تأمينها. فيضطرّ البعض الى دفع أموال «من تحت الطاولة» لرؤساء الموانئ تتراوح بين 15 و20 ألف دولار لإبدال مواقف بأخرى. وعن الأموال المهدورة التي تخسرها خزينة الدولة، تظهر معضلة تخمين اليخوت، فيتمّ تخمين يخت تبلغ قيمته نصف مليون دولار بـ200 ألف دولار مثلاً. ويُخّمن آخر بـ300 ألف دولار عوضاً عن مليون دولار لدفع قيمة جمركية أقلّ من قيمته.

* [email protected]