مضت اكثر من 20 سنة على منع الصيد في لبنان. وفي ظل التراخي الامني والمحسوبيات وضعف الموارد البشرية الخبيرة والغياب شبه التام لثقافة واخلاقيات الصيد تفلت الموضوع الى حدود كارثية، ما جعل من الضروري الاسراع في قوننة هذه "الهواية" وضبطها بما يحفظ التنوع الايكولوجي وحياة البشر وحتى الطيور التي يمنع اصطيادها في غير الموسم الذي يحدد وزير البيئة تاريخ افتتاحه وانتهائه والأوقات التي يسمح بالصيد خلالها، وذلك بناءً على اقتراح المجلس الأعلى للصيد البري، على أن يراعى تطبيق مبدأ إستدامة التراث الطبيعي. قانون الصيد صدر عام 2004، واحتاجت وزارة البيئة إلى اكثر من عشر سنوات اخرى لإعداد المراسيم التطبيقية والقرارات التنظيمية. 20 سنة اكثر من كافية لقوننة الصيد وضبطه وردع المخالفين، لكن يبدو وحتى الآن ان الاجراءات هزيلة.

الرابع في الإجرام

ما من ارقام دقيقة لاعداد الصيادين في لبنان، لكن التقديرات تشير الى ان اعدادهم تراوح ما بين 300 ألف الى نصف مليون او اكثر. وفقاً لدراسة قامت بها الحركة البيئية اللبنانية بالتعاون مع CABS يبلغ عدد الصيادين في لبنان بين 200000 الى 600000 شخص اي ما يعادل 14% من سكان البلد. موقع لبنان الجغرافي يجعل منه جنة للصيادين حيث انه يقع على ثاني اهم مسار في العالم من حيث هجرة الطيور بين اوروبا وآسيا إلى افريقيا ما يجعل منه ممراً لنحو 400 نوع من الطيور المهاجرة من ضمنها 37 نوعا من الطيور الحوم.
في دراسة حديثة اجرتها Birdlife احتل لبنان المرتبة الرابعة في الشرق الاوسط من حيث اعداد الطيور المقتولة بطريقة غير شرعية، خلف مصر وايطاليا وسوريا، مع وصول اعداد الطيور المقتولة الى نحو مليونين و600 الف طائر.
الكارثة البشرية لا تقل جسامة عن المجازر المرتكبية بحق الطيور، حيث يسجل سنوياً نحو 400 اصابة بين قتلى وجرحى جراء حوادث الصيد، مع الاشارة الى ان اعداد الاصابات التي لا يبلغ عنها اكبر بكثير.
لبنان الرابع في الشرق الاوسط من حيث اعداد الطيور المقتولة بطريقة غير شرعية


رخص الصيد...بالبلاش

اذا اخذنا اعداد الصيادين في عين الاعتبار يكون تشريع الصيد مورداً هاماً لخزينة الدولة ويساهم بانعاش اكثر من قطاع من التأمين الى اندية الرماية...وصولا الى انعاش الارياف اقتصادياً في مواسم الصيد، لكن الرسوم زهيدة الى حد مبالغ به، ما يعد هدراً لمورد مهم. بالنسبة إلى الامتحان يدفع الرسم لمرة واحدة ونهائية، فرسم امتحان الصيد في اندية الرماية يبلغ 45000 ليرة لبنانية ورسم إعادة الإمتحان في النادي نفسه في حال عدم النجاح 10،000 ليرة لبنانية، فيما الطابع المالي هي 1000 ليرة لبنانية.
في ما يختص برخص الصيد فهي تدفع في كل موسم، حيث يبلغ رسم رخصة الصيد للطيور 100000 ليرة لبنانية في الموسم، ورسم رخصة صيد الحيوانات الموبرة ( ارنب وخنزير بري) 150000 ليرة لبنانية في الموسم اضافة إلى طابع مالي بقيمة 1000 ليرة لبنانية لكل رخصة.
بطلة الرماية اللبنانية راي باسيل ترى ان الاسعار زهيدة جداً مقارنة بالدول الاخرى، وتعتبر ان من غير المهم اعداد الصيادين الذين سيحصلون على الرخص، فالمهم نوعية الصياد وسلامة الناس ولو خسرنا 100 الف صياد. وعلى الرغم من حماستها للقانون إلا انها تؤكد ان القانون بغياب الضوابط والقيود لن يؤثر وسيبقى حبراً على ورق.
إلا ان رخص الاسعار لا يثير حفيظة الجميع، ويلقى حماسة لدى الكثيرين. طوني عفيش صاحب "مؤسسة عفيش" لبيع اسلحة الصيد والخرطوش يرى ان رفع الاسعار غير مفيد ومضر، فهو بمثابة دعوة للصيادين لكي لا يلتزموا القانون والا يتقدموا لاجراء الامتحان، وخاصة ان التجربة لا تزال جديدة ويمكن البناء على التجربة الاولى لتفعيل القانون وسد الثغر التي قد تكتنفه ورفع الاسعار لاحقاً.

اندية الرماية... المستفيد الاكبر

حدد مرسوم صادر عن وزير البيئة الاندية المخولة إجراء الامتحان الذي يخضع له لزاما كل طالب رخصة صيد للمرة الاولى، وبالتالي فان الاندية هي المعبر الاساسي والوحيد لكل صياد يرغب بقوننة هوايته. تكلفت النوادي مبالغ كبيرة تحضيراً لاعلان بدء الامتحانات ومن ثم اطلاق الموسم. رئيس اندية الرماية بطرس جلخ اكد "ان الاندية جاهزة من حيث البنية التحتية والمعدات والرواتب، والقانون فرض تأمين موظفين اضافيين في كل ناد وهذا ما التزمنا به، وطالما ان اعداد الذين قد يجرون الامتحانات غير معروف ولا يمكن التكهن به فهنالك مخاوف من ان نتكبد خسائر اذا كانت الاعداد قليلة وخاصة ان الرسوم زهيدة".
على المدى القصير قد لا يكون المردود المادي كبيرا للاندية لكن هذه الخطوة تمثل الحجر الاساس نحو تطوير اللعبة، وفقاً للرئيس السابق لاندية الرماية زياد ريشا الذي يرى ان النوادي ستستفيد بشكل كبير وستفيد الصيادين ايضا لكونها ستعلم الكثيرين منهم الانضباط وقد تجعل منهم من رواد الاندية.

قطاع التأمين... مستفيد

ينص القانون على انه يجب على الصياد أن يكون حائزاً بوليصة تأمين ضد الغير لضمان الاضرار التي قد تلحق بالغير من جراء ممارسة الصيد. التأمين اذاً اجباري، وفي حال التشدد في التطبيق، فالصيد قد يساهم في انعاش قطاع التامين وخاصة اذا كانت اعداد الراغبين بالحصول على الرخصة كبيرة. نقيب شركات الضمان ماكس زكار يطمئن الى ان اسعار بوليصة التامين ستكون زهيدة بما يشجع الصيادين على اجراء الامتحانات والتقيد بالقانون، كما ان البوليصة ستزيد من وعي الجمهور على اهمية التأمين.
الامتحانات... ليست سهلة ولا تعجيزية
كان لجمعية حماية الطبيعة في لبنان دور كبير في مختلف مراحل اعداد قانون الصيد والمراسيم التطبيقية، وفي هذا السياق تلفت المسؤولة بالجمعية باسمة الخطيب الى ان الجمعية هي من أعدّ دليل امتحانات الصيد، الذي يقدم المعلومات الاساسية لكل شخص يريد الاطلاع على قانون الصيد اللبناني ولائحة الطرائد المسموح بها صيدها والطيور المهددة بالانقراض...وتصر الخطيب على ان الامتحانات لن تكون سخيفة لانجاح اكبر عدد ممكن، لكنها في الوقت نفسه لن تكون تعجيزية وسهلة وذلك بهدف اعداد صيادين مسؤولين ومثقفين. والكتيّب موجود في وزارة البيئة ولدى الجمعية ويفترض ان يعمم مجاناً في النوادي ولدى التجار. وتتوقع الخطيب ان يكون اول المقبلين على الامتحانات هم الصيادون المحترفون حفاظاً على سمعتهم ولكون الكثير منهم ابتعدوا عن الصيد. لطوني عفيش الرأي نفسه الامر الذي يدفعه الى التفاؤل بقرب عودة الصيادين المحترفين من الذين يشترون اسلحة مرتفعة الثمن والمحتجبون منذ سنوات.

المحترفون والهواة... فرح ومخاوف

رخص الاسعار اثار ارتياح الكثير من هواة الصيد الذين يرغبون بالحصول على رخصة. فبالنسبة لبشير السمور هواية الصيد في الاساس مكلفة وعلى من يريد ان يتقنها وله شغف حقيقي بها الا يستكثر المال لاشباع رغباته، فكيف اذا كانت الرسوم رخيصة الى هذا الحد، مع تشديده الى ان الاهم من الرخص هو الوعي والتثقيف واخلاق الصياد.
غابي ابي صعب من جهته صياد محترف يقصد العديد من الدول لممارسة هوايته، وهو يتاسف لكون الرسوم منخفضة الى هذا الحد لكون الدولة لن تستفيد مالياً على غرار باقي الدول، وكان يتمنى لو ان الرسوم تفرض على اساس المحافظة، حيث يختلف الرسم بين محافظة واخرى على غرار دول عدة وابرزها فرنسا.
الدولة دربت حراس احراج وعناصر امنية بهدف تطبيق القانون، لكن الاعداد غير كافية لفرض هيبة الدولة، وخاصة ان الامكانات المادية واالوجستية ضعيفة. واذا نظرنا الى ما كان يمكن انجازه خلال 20 سنة فان الصيد عرى الدولة وكشف مدى التقصير الحاصل. المؤكد ان القانون والبدء بتطبيقه لا يردع المخالفين ولن يحقق نتائج ملموسة سريعة. ولكن مشوار الالف ميل يبدأ بخطوة... ولو متعثرة.