للوهلة الأولى، يُخيّل إلينا أنّ تطوير موقع إلكترونيّ والإبقاء عليه يُمثّل عملية سهلة، إلاّ أنّ العملية هي أكثر تعقيداً في ظلّ التساؤلات الدائرة حول العقود الموقّعة مع الشركة المطوّرة وقاعدة البيانات التي تُزوّد بها. فهل هناك من ضوابط مفروضة منعاً من تحكّم المطوّر بعميله؟ ما هي أنواع الأكلاف المتوجّبة لتأمين استمرارية أي موقع؟ ومن يضمن عدم تسرّب المعطيات إلى طرف ثالث؟

تُشكّل الخلافات المالية إحدى أهمّ الأسباب التي تؤدّي إلى تعطيل الموقع الإلكترونيّ جزئياً أو بالكامل وعن قصد بغية الضغط على الشركة الأمّ لحثها على الوفاء بالتزاماتها. وبالتالي، تبقى هذه الأخيرة أسيرة لشروط الشركة المطوّرة، والتي قد تتخطى العقد الموقّع نظراً لعدم قدرته أحياناً على الإحاطة بكافة الجوانب التقنية المُستجدّة في عالم يتطوّر باطراد، إضافة إلى عدم إلمام الطرف الأوّل المتعاقد بالمتطلبات التقنية المُعبّر عنها في أغلب الأحيان. وتصبح المسألة أسوأ عندما تؤثر في منفعة عامة.

المكتبة الإلكترونية للجامعة اللّبنانية
أمثلة كثيرة تُظهر الضرر اللاحق بكلّ من المؤسسة صاحبة الموقع وبزواره والمستفيدين منه نتيجة لأي عطل يصيبه جراء خلاف يقع لأسباب مادية أو نظراً لعدم تجديد الاشتراك. لنأخذ مثلاً الموقع الإلكترونيّ لمكتبات الجامعة اللّبنانية المتفرّع منها والذي يُشكّل قاعدة بيانات لكافة الكتب والدوريات وغيرها من المراجع الموجودة في كلّ فروع الجامعة. فمكتبة كلية الحقوق والعلوم السياسية تضمّ وحدها أكثر من 90 ألف كتاب ومجموعة من الدوريات والأطروحات والوسائط المتعددة التي أغنت موقع مكتبة الجامعة الإلكترونيّ ودفعت بالعديد من طلاب الجامعات الخاصة إلى زيارته لتحديد مكان وجود الكتاب المنشود والاستفادة من المصادر القديمة خصوصاً. وبذلك، يستطيع الطالب البحث إلكترونياً عن أي مرجع يحتاجه بمجرّد تحديد الموضوع أو اسم الكاتب أو الكتاب، فيحصل تلقائياً على نتائج البحث بشكل مفصّل ويوفّر عناء زيارة عدّة مكتبات للتفتيش يدوياً عن مصدر بات باستطاعته تحديد الفرع الذي يتواجد فيه بسهولة.
لكنّ المفارقة أنّ المكتبة الإلكترونية معطّلة منذ العامّ الماضي لأسباب يُرجعها القيّمون على أحد الفروع إلى عدم تجديد الاشتراك. وفي حين تقول مصادر متابعة للموضوع أنّ الجامعة تُشغّل بنفسها الموقع عبر موظفين يعملون في مركز مختصّ في الإدارة المركزية، يُظهر هذا العطل أنّه وقع جراء مشكلة إدارية، فعطّل أصحاب البرنامج المُتصل هذه الخدمة للضغط المحتمل على الإدارة، إذ إنّ تجديد الاشتراك شرط أساسي لاستمرارية أي برنامج.
الواضح أنّ المسألة لن تُحلّ قريباً نظراً لطلب موظّفي المكتبة من الطلاب التفتيش يدوياً عن الكتب عوضاً عن انتظار الحلول التي قد تطول. فهل يُعقل عدم الأخذ في الاعتبار مسألة مماثلة والضرر الناتج منها بعد تكبّد جهد إدخال كافة هذه المراجع وتفاصيلها إلكترونياً؟ أمّا الفرضية الثانية المتمثلة بعطل تقنيّ، فهي مستبعدة لكون إصلاح عطل مماثل لا يتعدّى بضعة أيام، إلاّ في حالة اشتراط مبلغ ضخم غير ملحوظ في ميزانية الجامعة. وبذلك، وبدلاً من مجاراة هذه الأخيرة للتطوّر التكنولوجيّ المستمرّ، على طلابها اعتماد الطريقة التقليدية في البحث ممّا ينتج منها تأخيراً في سير أبحاثهم العلمية ورسائلهم. فهل يحقّ لشركة مُطوّرة أو أصحاب البرنامج تعطيل موقع لسبب معيّن أم أنّ ملكيته تعود دائماً للمؤسسة الأمّ؟

تقنيات تمنع التسريب
يؤكّد الخبير التقنيّ إبراهيم سعد أنّه و «إذا امتلكت المؤسسة الأمّ الموقع الإلكترونيّ وقامت بشرائه، فلا يحقّ للشركة المطوّرة إيقافه بل يمكن أن توقف الصيانة بحسب شروط العقد». وعن مدى قيام الأخيرة بتعطيل موقع جزئياً لأسباب مادية أو نتيجة لخلافات أخرى، يلفت إلى أنّ أخلاقيات الشركات تدخل في الاعتبار، مشيراً إلى إمكانية ظهور بعض الأمور التي تكون غير ملحوظة في العقد.
لا يحقّ للشركة المُطوّرة وضع يدها على معلومات الموقع إلاّ ضمن نطاق الصيانة


من ناحية أخرى، يشرح في ما خصّ ضمان عدم تسرّب المعطيات إلى طرف ثالث «تواجد تقنيات تضمن ذلك كمثل ما يعُرف بالـ Non-disclosure agreement لحفظ الحقوق وسريّة كلّ المعلومات المتداولة بين شركتين. وفي حال كان حجم الداتا كبيراً، على المؤسسة التزوّد بشبكة أمان لحفظ هذه المعلومات بشكل يتيح لها تتبّع أي تغيير فيها من خلال تقارير كاملة تحفظ سريتها. ففي حال ظهر لها أي تسريب للمعلومات وتمّ تبيان ذلك، يمكن مقاضاة الشركة استناداً إلى تمتّع الشركة الأمّ بحقّ ملكية الموقع ومعلوماته. ولا يحقّ بالتالي للشركة المطوّرة وضع يدها على المعلومات إلاّ ضمن نطاق الصيانة الملحوظة في العقد». ويضيف: «من جهة أخرى، وعلى مستوى معلومات الفرد، يتمّ العمل اليوم في لبنان على تطبيق ما يشبه الـ General Data Protection Regulation (GDPR) التشريع الذي طوّرته الدول الأوروبية ثمّ أخذت به الدول العربية ففُرض على الشركات فيها لضمان حقّ الفرد بطلب حذف كلّ معلومة تعود له في أي موقع إلكترونيّ وفي أي شركة. ومن الملاحظ أنّ معظم التطبيقات على الهاتف تقوم بتبديل سياساتها اليوم لكونها تُطبّق هذه الخدمة».

لضمان استمرارية الموقع
وعن الأكلاف المتوجّبة لتأمين استمرارية أي موقع، تُذكّر الخبيرة في التجارة والتسويق الإلكترونيّ جولي سماحة القارح، أنّ شراء نطاق على شبكة الإنترنت (Domain Name) يستوجب تجديده كل عام، أو خمسة أو عشرة أعوام». وتجدر الإشارة إلى أنّ عنوان الموقع الإلكترونيّ هذا لا ينفع من دون وجود server إضافة إلى ما يُعرف بالـSSL certificate (Secure Sockets Layer) المتعلّقة برخصة الأمان (License security) والتي يجب تجديدها دورياً. كما على رخصة البرنامج المُستعمل أن تكون غير منتهية الصلاحية وهي تُجدّد كلّ عامّ أو خمسة أعوام بحسب الحزمة المختارة. ولا يمكن إغفال أهمية الاختيار المناسب لحجم الـserver وسرعته، خصوصاً عندما يستقطب الموقع عدداً كبيراً من الزوار». وبالتالي، تُضاف هذه الأكلاف إلى كلفة الصيانة السنوية الثابتة وخدمات إدخال المعلومات وأجور مسؤولي تكنولوجيا المعلومات والمُطورين.

وجهة النظر القانونية
بعيداً من وجهة النظر التقنية، وفي حال حصول خلاف ماليّ أو من أي نوع كان، يرعى قانون الموجبات والعقود بصورة أساسية مسائل مماثلة لكون الخدمة موضع الخلاف تُشبه أي نوع من الخدمات التي تُشترى وتُباع، وبالتالي تنطبق عليها المسائل المتعلّقة بالعقود في ما خصّ كيفية إجراء عملية التعاقد بين البائع والمشتري وموجبات كلّ من الطرفين. ويدخل في هذا الإطار قانون الملكية الفكرية والأدبية في حال المسّ بحقوق تختصّ بالناشر أو الكاتب أو الباحث. وعن إمكانية تسرّب معلومات العميل إلى طرف ثالث، فإنّ القاعدة القانونية هي أنّ العقد هو شريعة المتعاقدين، أي أنّ بإمكان الأشخاص أن تتعاقد مع بعضها البعض ضمن حدود القانون وتحت سقفه، ما لم يكن هناك أي أمر في هذا العقد ينتهك القانون أو يخالفه. لذلك، فإنّ للأشخاص المتعاقدين حريّة النصّ على تعاقدهم بالصورة التي يريدونها. وبالتالي إذا اشترط أحدهم على الآخر عدم القيام بإفشاء أسرار هذا العقد تحت طائلة التعويض عن العطل والضرر، إمّا ببند جزائيّ أو غير ذلك، فليس هناك ما يمنع اشتراط هذا الأمر إلاّ إذا كان مخالفاً للنظام العامّ أي للقوانين العامّة. فإذا كانت القاعدة أنّ هناك شركة لها أسرار معلوماتية أو تقنيّة تُعدّ من الأسرار المهنية، ولا تريد الإفصاح عنها للآخرين، ولكن لا بدّ من ذكر شيء منها في العقد للاتفاق في شأن بيعها أو شرائها، لها أن تشترط على الطرف الآخر عدم إعلان هذا العقد.
وعن القانون الذي يمنع تسريب المعلومات في حال وقوع خلاف معيّن بين الشركتين، يشرح الخبير القانونيّ أنطوان سعد أنّ «كلّ نوع من المعلومات له قانون يُنظّمه، فهناك معلومات ترعاها حقوق الأفراد، وأخرى سريةّ يرعاها قانون آخر. أمّا الداتا الخاصّة، فيرعاها قانون الجزاء وعدم التعرّض للحرمة الشخصيّة». وعن مدى قيام أي شركة مُطوّرة بتعديل شروط العقد، يؤكّد سعد «عدم إمكانية الرفع الكيفيّ والتعسفيّ للأسعار بهدف الأذية، مع ضرورة درس أي تعديل مع الإدارة». أمّا إذا كان العميل إدارة عامة، فيرى أنّ «الشركات المطوّرة لا يمكنها العمل في لبنان من دون تفويض من وزارة الاتصالات. ويستوجب تطوير البثّ الإلكترونيّ في لبنان ترخيصاً منها، وبالتالي تُوقّع عقوداً إدارية مع الدولة التي تفرض بنوداً خارقة تسمح لها بفرض ما تجده مناسباً على الشركات».

* [email protected]