أراد الرجل أن يبني مستشفى «لبنانياً»، قادراً على منافسة المستشفيات المحلية التابعة للإرساليات الأجنبية. لمَ لا والرجل تابع تخصصه العلمي في فرنسا، واكتسب منها ما اكتسب من خبرات ومعارف؟ وحيث تأثر بتجربة الأخوين «مايو» مؤسسي عيادات Mayo الشهيرة في الولايات المتحدة، وقد بنى صداقة معهما. 93 عاماً انقضت على انطلاقة «مستشفى رزق» عام 1925، وهو لا يزال ينبض شباباً، وينمو ويتوسع حتى انتقل عام 2009 من مستشفى «عائلي» إلى مستشفى ــــ جامعي ضخم بإدارة الجامعة اللبنانية الأميركية LAU.
من العائلة إلى الجامعة
قبل أن يحط المستشفى رحاله في منطقة الأشرفية، تنقل في أرجاء مختلفة من العاصمة «من السوديكو، فالبرجاوي والبسطة، وصولاً إلى الأشرفية حيث افتتح عام 1957» على ما يشرح الرئيس التنفيذي للمستشفى سامي رزق، حفيد المؤسس توفيق. الانطلاقة كانت مع المبنى A، لتكرّ السبحة حتى في أحلك الظروف، والتي تكون خلالها الحاجة الفعلية للرعاية الطبية.
على هذا الأساس، بوشر العمل بالمبنى B عام 1981 في "عز الحرب الأهلية"، ولم يتوقف العمل به رغم القنص والقصف والاجتياح الإسرائيلي وغيرها من المحطات الأليمة حتى أنجز في أوائل تسعينيات القرن الماضي. ومع حلول الألفية الجديدة، بدأ العمل على بناء مبنيين إضافيين هما المبنى C والمبنى D اللذين أبصرا النور عام 2004، مع أول مهبط نموذجي للمروحيات موجود على سطح مبنى في لبنان (المبنى D) ومن تصميم مهندسين إيطاليين. وشاءت الظروف، بحسب رزق، أن يؤدي هذا المهبط دوراً محورياً وحيوياً في تاريخ الوطن الحديث بحكم مساهمته في إنقاذ أرواح مئات من جنود الجيش اللبناني ومعالجتهم من الإصابات التي تعرضوا لها إبان معركة نهر البارد مع المجموعات الإرهابية، حيث استقبل على مدار 100 يوم 88 مروحية محملة بالجنود المصابين. أما عام 2009، فكان مفصلياً في تاريخ المستشفى العريق وأتى بمثابة تتويج لمسيرة عقود من العطاء مع قرار عائلة رزق بيع المستشفى للجامعة اللبنانية ــــ الأميركية بعد موافقة مجلس أمناء الأخيرة ليسدل فصل المستشفى العائلي الذي تناوب على إدارته الجد توفيق وأولاده الثلاثة الدكاترة أيضاً (حالة سامي كرئيس تنفيذي للمستشفى إدارية بحتة وغير مرتبطة بالتوارث العائلي)، وتفتح صفحة المستشفى ــــ الجامعي.

خدمات رائدة
اليوم، يضم المستشفى حوالى 200 سرير ويعمل فيه ما يقارب 270 طبيباً بين دوام كامل ودوام جزئي، إضافة إلى 120 طبيباً متمرناً من الجامعة اللبنانية الأميركية، و650 موظفاً ينقسمون بين ممرضات وممرضين وموظفين إداريين وتقنيين، يساهمون جميعهم وكل من موقعه ومهماته في علاج أكثر من 25 ألف حالة سنوياً، على ما يبيّن الرئيس التنفيذي سامي رزق.
سفارات أوروبية تواصلت معنا لنقل مواطنين أوروبيين للعلاج في لبنان


ويشرح رزق أن المستشفى يوفر جميع الخدمات الطبية والعلاجية والجراحية دون استثناء، وعلى أعلى مستوى، مستخدماً أحدث التقنيات وأفضلها، وهو يتميّز خصوصاً بستة مجالات هي:
• الجراحة الدماغية ومعالجة السكتة الدماغية، حيث افتتح المستشفى في شهر آذار الماضي أوّل مركز شامل للسكتة الدماغية في لبنان والذي يؤمن العلاج السريع بالتعاون مع الجيش اللبناني من خلال نقل المرضى بالطائرات المروحية التابعة للجيش، ما يوفّر الوقت ويساعد في تأمين أفضل النتائج للمرضى الذين يعانون من سكتة دماغية. والجيش وضع طوافاته في تصرف الصليب الأحمر اللبناني لتقل أي حالة بسرعة فائقة أينما وجدت
• الجراحات والعلاجات الطبية في مجال الأمراض السرطانية
• جراحات العظم والطب الرياضي
• أمراض الكلى، حيث إن المستشفى كان أول مركز لزراعة الكلى في لبنان عام 1986، وهو في طور إعادة تأسيس هذا المركز وتطويره
• مركز متخصص في معالجة جميع أمراض القلب وجراحة القلب للأطفال والبالغين
• جراحة اليوم الواحد في مجال البدانة والعيون والأذن والأنف والحنجرة، وكذلك جراحة المنظار

«سويسرا الشرق»
وفي ما يتعلق بالدور الريادي والتاريخي للبنان في مجال الصحة والاستشفاء، وخاصة في منطقة الشرق الأوسط وهل لا يزال بإمكاننا التفاخر بأننا «سويسرا الشرق» ومقصد أساسي للسياحة العلاجية، يرى رزق أن «لبنان لا يزال في موقع الصدارة في المنطقة وهو لم يفقد تميّزه في هذا المجال أبداً. السبب الأساسي يعود إلى العامل البشري بجميع مستوياته من الإداريين والممرضين، وصولاً إلى الأطباء، والذي يتمتع بمهنية عالية جداً وكفاءة مشهود لها مستندة إلى تراكم معرفي وعلمي كبيرين توفرهما كليات الطب في الجامعات اللبنانية كما والجامعات الأجنبية، حيث يتابع الأطباء اللبنانيون تخصصاتهم في أدق المجالات.
فمهما تطورت التقنيات والتكنولوجيا والآلات، يبقى للعامل الإنساني الدور الأساس في العمل الطبي والذي لا يمكن لأي روبوت أو آلة استبداله، وهنا الفرق بيننا وبين دول الخليج على سبيل المثال التي تتوفر فيها أحدث التقنيات العالمية، لكنها تعاني في ما يختص بالكادر البشري وتضطر إلى الاستعانة بأطباء أجانب، هنود أو باكستانيين أو أوروبيين، والذين رغم كفاءتهم، إلا أنهم غير قادرين على سد النقص لناحية التواصل مع المرضى بحكم فوارق اللغة والثقاقة وغيرها».
في هذا الإطار، يكشف الرئيس التنفيذي لمستشفى رزق أن «سفارات أوروبية ومن دول محورية في أوروبا تواصلت معنا ومع مستشفيات لبنانية أخرى لدراسة سبل التعاون وكيفية جلب مواطنين أوروبيين إلى لبنان للعلاج نظراً إلى طول المدة التي عليهم انتظارها ريثما يجدون مكاناً متاحاً في مستشفيات بلادهم».
ويختم رزق بالكشف عن إعداد المستشفى خطة خمسية لتطوير الخدمات وتوسيع المستشفى وإضافة مبان جديدة.