منذ 59 عاماً تحديداً (ناقص يوم واحد) وفي 17 كانون الأول من عام 1959 كان افتتاح كازينو لبنان. كثيرون رأوا في المرفق الجديد المتلألئ على خليج جونية فرصةً لنقل صورة ماسية للدولة الحديثة الولادة، ومثلهم كثيرون وجدوا فيه مغارةً للانتفاع الشخصي ولخدمة المحسوبين عليهم، حتى تحوّل الكازينو من مكان للعب الميسر لضحية مقامرة السياسيين به.
جزر مستقلّة
يعترف خوري بأنّ أصعب ما واجهه خلال الأشهر الأولى التي تلت تعيينه في منصبه كان في «إقناع الموظفين بأنني لم آت للعمل في السياسة ولا للسرقة. فقد كان هنالك جوّ طاغ كما لو أن الجميع كان بانتظار معرفة إن كان الرئيس حرامياً ليخططوا كيف ستركّب الكومبينات. أضف إلى ذلك أن الكازينو كان عبارة عن جزر مستقلة وتكتّلات تتربّص كل منها بالأخرى، في ظّل غياب تام لروح الجماعة».
زاد من صعوبة مهام خوري كونه آتياً من صلب حزب سياسي يبشّر بعهد جديد في التعاطي مع ما سبق من تفلّت في مختلف الإدارات والقطاعات، ما زاد من ريبة الموظفين الذين اعتادوا على أن يكونوا ضحية الكيدية وتقلّب موازين القوى السياسية. وكان الحلّ بفصل الإداري عن السياسي وفقاً لخوري، ما طمأن مختلف الأفرقاء وجنّبه الكثير من العراقيل.
نجاح مجلس الإدارة الجديد لكازينو لبنان يبرز جليّاً عند مقارنة مقرّرات الجمعية العمومية التي عُقدت في شهر نيسان 2017 بعد تعيين رئيس وأعضاء مجلس إدارة جديد لمدة 3 سنوات بالمقرّرات الصادرة عن الجمعية العمومية التي عُقدت منذ حوالى أسبوعين، والتي قضت بإعادة الصلاحيات التي كانت قد حُجبت عنه من ترقيات ومناقلات وزيادة الرواتب والإحالة على التقاعد.

الأرقام تتكلم
وفقاً لخوري فإنّ مبيعات الكازينو حين تسلم مجلس الإدارة الجديد كانت تعاني «وطوال 10 سنوات من هبوط سنوي مستمر يتراوح بين %8 إلى 10%، وكانت التوقعات تشير إلى أن خسائره ستبلغ ما بين 6 إلى 7 ملايين دولار عام 2017. «لكن ومع تولّينا دفة القيادة قفزت المبيعات من 160 إلى 170 مليون دولار بعد تخفيضنا المصاريف غير الضرورية، وبالتالي حوّلنا الخسارة المقدّرة إلى ربح بقيمة مليوني دولار». ويكشف خوري أنه وبعد أن «كان الكازينو يحوّل إلى الدولة مبلغ 65 مليون دولار سنوياً، ارتفع مردود الدولة إلى 100 مليون دولار منذ تعييننا». أمّا اليوم ومع نهاية عام 2018 «وصلت مبيعات الكازينو إلى حدود 200 مليون دولار ومن المفترض أن تصل الأرباح إلى 6 ملايين دولار رغم الاستثمارات التي قمنا بها .»
من دون أن نبخس من إنجازات مجلس الإدارة الجديد ورئيسه إلّا أن الكثير مما أُنجز كان بإمكان المجالس السابقة أيضاً تحقيقه لو وُجدت النية والإرادة. أحد الأمثلة البسيطة على ذلك هي مرأب الكازينو، فبعد أن كانت الإدارات السابقة المتعاقبة تدفع بدل إيجار سنوياً قدره 300 ألف دولار أميركي لمرأب قديم، أنجزت الإدارة الجديدة مرأباً جديداً يتّسع لنحو 350 سيارة بكلفة 300 ألف دولار.
أمّا بالنسبة لخوري فأحد عوامل نجاح المجلس الجديد هو «الاستماع إلى المدراء الكفوئين والذين نجحنا بفضل التشاور معهم والأخذ بنصائحم في إنجاز الكثير، فيما كانوا في السابق مهمّشين وغير معتبَرين حتى وصل الحال بالكثيرين منهم إلى البقاء في منازلهم.»

استنزاف
مع هذا فالكازينو يستنزف يومياً، مادياً ومعنوياً. إحدى التركات الثقيلة التي على مجلس الإدارة الجديد التعامل معها هي عدد الموظفين الذي تضخّم بفعل المحسوبيات والوساطات السياسية. يبلغ عدد الموظفين في الكازينو حوالى 1400 موظف، فيما الحاجة الفعلية هي 1000 موظف في حال تولّى الأخير بنفسه وبشكل مباشر جميع الأعمال الضرورية لاستمراريته. أما في حالة الـ outsourcing أي تفويض بعض الأعمال لشركات أخرى، فإن حاجة الكازينو من الموظفين تنخفض إلى 600 أو 700 للعمل في أقسام ألعاب الميسر. ورغم الفائض الكبير في أعداد الموظّفين في كلا السيناريوين إلا أن رئيس مجلس إدارة الكازينو يرفض تدفيع أي موظف «فاتورة فشل زعامة أريد لها أن تبنى في كسروان وجبيل. ومن يريد أن يحاسب الأجدى به محاسبة الذي وظَّف، لذلك أنا أرفض طرد أي موظف حتى لو وُظِّف نتيجة لتدخل سياسي إلا في حال قصّر في عمله. فالحفاظ على مئات العائلات التي تعتاش من الكازينو أهم من مليون دولار بالزائد أو بالناقص. وأي حديث عن ملف الموظفين يفترض به أن يأخذ في الاعتبار وضع هيكلية جديدة وتأمين التعويضات التي تحميهم، وحينها لكل حادث حديث.»
إنما الخسارة الأكبر التي تنهش الكازينو فتكمن في محلات القمار غير الشرعية والتي تحقق مداخيل تقارب 50 مليون دولار سنوياً، حيث يبرز جلياً كيف أن الدولة تصرّ على سرقة نفسها بنفسها. فعام 1995 وبهدف تعزيز عائدات الدولة تقرّر بموجب القانون رقم 417 تاريخ 15-5-1995 منح شركة كازينو لبنان «حقاً حصرياً باستثمار ألعاب القمار في النادي الوحيد في المعاملتين». وفيما يدفع الكازينو 50% من عائداته للدولة بحكم دخولنا في السنوات العشر الأخيرة من الامتياز الممنوح له لمدة 30 عاماً (كانت النسبة 30% من دخله السنوي غير الصافي في السنوات العشر الأولى، وثم 40% عن السنوات العشر الثانية)، فإن محلات القمار غير الشرعية تدفع فقط مليون ليرة شهرياً عن كل ماكينة قمار بحسب خوري الذي يوضح أنه «إذا عومل الكازينو كما يعامل الخارجون عن القانون يكون عليه أن يدفع 400 ألف دولار سنوياً للدولة عوض الـ 40 مليون دولار التي يدفعها حالياً عن البالوعات أو ال Slot Machines.»
يبلغ عدد الموظفين في الكازينو 1400 موظف، فيما الحاجة الفعلية هي 1000 موظف


يسأل رئيس مجلس إدارة الكازينو عن القضاء ولماذا لا يتحرّك لمعالجة قضية محلات القمار غير الشرعية، خصوصاً أن هنالك دعاوى عالقة في مجلس شورى الدولة في هذا الخصوص من الكازينو ضد الدولة لجهة عدم التزامها بإغلاق هذه المحلات، كما تعهدت مقابل زيادة الضرائب التي يتوجب على الكازينو دفعها لها. وبالحديث عن القضاء، ورداً على استفسارنا عن مآل الأمور في ملف رئيس مجلس الإدارة السابق حميد كريدي الذي كان عرضة لتحقيقات قضائية، يوضح خوري أن «الملف في عهدة قاضي التحقيق وليس من واجبنا أو مسؤوليتنا كإدارة البت في ملف كهذا، وفي حال تم استدعائي للاستماع إلي فأنا جاهز».

نهضة شاملة
يسعى خوري ومن خلفه مجلس الإدارة الجديد لنقل صورة مغايرة للكازينو على أنه أكثر من مكان للمقامرة ولعب الميسر، من خلال التشديد على دوره السياحي والثقافي والفني والترفيهي والذي عاد للبروز مجدداً مع العروضات العالمية التي يستقطبها. لكن يبقى القمار الحصان الرابح للكازينو والذي يؤمّن بمفرده أكثر من «98% من المداخيل». لذلك لا يبدو غريباً تركيز الإدارة الجديدة على هذا الشق لرفع العائدات والذي تجسّد بإضافة ألعاب حديثة جُلبت خصيصاً من لاس فيغاس وبطرد المرابين والشبيحة من حرمه ومن داخل صالاته، إضافة إلى تدريب الموظفين لرفع إنتاجيتهم وتحسين تعاملهم مع الزوار. وستستكمل الخطة بحسب خوري من خلال افتتاح صالات لعب جديدة وإطلاق دورات بوكر ضخمة على مستوى عالمي، كما والمباشرة ابتداءً من منتصف العام المقبل بالمراهنة أونلاين. كذلك تقضي الاستراتيجية المعتمدة بجذب المقامرين الأجانب وتحديداً أولئك الذين يشتهرون بإنفاق مبالغ مادية كبيرة. ولهذا السبب أنشأ قسم Casino Host الذي يقضي عمله على البحث عن هذه الفئة من اللاعبين وحثّهم على زيارة الكازينو من خلال تقديم تذاكر سفر لهم إضافة إلى الإقامة الفندقية المجانية وما يستتبعها من خدمات أكل وشرب ونقليات...
أما أحد أبرز تحدّيات المجلس الجديد فهو تجديد امتياز الكازينو الذي ينتهي بعد 7 سنوات. والهدف من التجديد المبكر استقطاب الاستثمارات الطويلة الأمد التي تحتاج إلى الثقة والطمأنينة. وفي هذا السياق يؤكد خوري بأن اتصالاته أظهرت أن الجميع متفق على التجديد وبأن الأمور تسير في هذا الاتجاه وتنتظر فقط تشكيل الحكومة، مع مطالبته بأن يُعاد النظر في الضريبة التي يتوجب على الكازينو تسديدها للدولة بما يمنحه حرية حركة أكبر وقدرة على توسيع نشاطاته، وبما يؤمن مداخيل أكبر للدولة.