المسألة تتعدّى جودة الخدمات والمنتجات وكيفية التعاطي مع الزبائن، حيث باتت تفرض على الشركات والمصارف اعتماد سلوكيات جديدة كلياً، وهو ما تجسّد بمفهوم المسؤولية الاجتماعية للشركات. الكثير من المستهلكين باتوا على استعداد للتخلي عن التعامل مع مؤسسة معينة في حال لم تلتزم بمعايير بيئية صارمة على سبيل المثال وحتى إن كانت توفر لهم أفضل الرعاية والعناية. هذا مثال بسيط يبيّن مدى صعوبة الحفاظ على الزبائن في ظل تداخل عدة عوامل اجتماعية وشخصية وثقافية في العلاقة بينهم وبين الشركة. فاستقطاب العملاء بات أسهل ما يكون حالياً، مع تنوع وسائل الإعلان وطرق الجذب والاستخدام المكثّف لوسائط التواصل الاجتماعي في عمليات الترويج ودراسة سلوكيات المستخدمين وتفاعلاتهم لاستخراج خلاصات منها يتم استخدامها لاحقاً تجارياً من خلال تقديم محتوى يشبههم ويشبه نمط حياتهم.
أنقر على الرسم البياني لتكبيره

مكافأة على الإنفاق
إحدى أحدث استراتيجيات الشركات والمصارف لتحصين عملائها وزبائنها من المؤثرات الخارجية هي برامج الولاء والتي ترتكز على فكرة تعويض ما ينفقونه من أموال (بالنسبة للمصارف فالإنفاق يفترض أن يتم من خلال بطاقات الائتمان، فيما برامج الولاء الخاصة بالمتاجر مثلاً تتيح جمع النقاط ولو تم الدفع نقداً)، بنقاط وأميال (كل نقطة أو ميل على سبيل المثال يساوي دولاراً ) يتم استبدالها لاحقاً إمّا بتذاكر سفر على قدر الأميال المجمّعة أو بهدايا وسلع وأحياناً بمبلغ نقديّ. ولهذه البرامج منافع عديدة على كلا الطرفين. فهي تزيد من ناحية من تفاعل الزبائن الذين يشعرون بأن ما ينفقونه لصالح الشركة أو المصرف الذي يتعاملون معه هو محطّ تقدير، وبأنّهم قادرون على تحصيل مكاسب مما دفعوه. أما لناحية المؤسّسات أياً كانت صفتها سواء أكانت تجارية أم مصرفية فإن العديد من أبرز الدراسات العالمية في هذا المجال تبيّن أن الزبائن الأوفياء هم المسؤولون عن الحصة الأكبر من أرباح المؤسسات، إضافة إلى أن ما تنفقه هذه الأخيرة على برامج الولاء للتمسّك بهم يشكل نسبة بسيطة إذا ما قورن بما تنفقه من حملات إعلانية وترويجية لاستقطاب زبائن وعملاء جدد.

العاطفة مؤثّرة
على الرغم من أهمية برامج الولاء ومنافعها، وأقله هذا ما يثبته الاستثمار المتواصل للمؤسسات فيها، فإنها تفتقر إلى أمر جوهري. فالركيزة الأساسية لهذه البرامج مادية بحت وتستند على فكرة العطاء بمقابل، إذ أن الزبون يكافأ استناداً إلى ما أنفقه وهو ما يلغي الجانب العاطفي في العلاقة بين الطرفين. بحسب كولين شاو، مؤلف العديد من الكتب الأكثر مبيعاً عن تجربة العملاء فإن «الشركات تنظر إلى الولاء من منظار عقلاني بحت، من حيث عدد الزيارات التي يقوم بها الزبائن وحجم إنفاقهم، وهي لا تعتبر الولاء ارتباطاً عاطفياً. والحقيقة أنه وإضافة إلى الجانب العقلاني فإن العاطفة تلعب دوراً كبيراً في خيارات الزبائن والعملاء».
وفقاً لدراسة حديثة صادرة عن شركة capgemini وشملت 9000 مستهلك وأكثر من 500 رئيس تنفيذي حول العالم، فإن 90% من المستهلكين لديهم تصوّر سلبي حول برامج الولاء، وأكثر من 54% من العضويات في برامج الولاء غير فاعلة و28% من الزبائن والعملاء يتخلّون عن برامج الولاء من دون الاستفادة من النقاط والأميال التي جمعوها.
70% من المستهلكين الذين تحركهم العاطفة بشكل قوي ينفقون بمعدل مرتين إلى ثلاث مرات أكثر


بحسب الدراسة يتميز المستهلكون الذين تحرّكهم العاطفة بشكل قوي بأنهم يربطون مشاعر معيّنة بتفاعلهم مع علامات تجارية محددة، إضافة إلى أنهم يحملون توقعات أعلى من العلامة التجارية، ويبحثون عن تجربة تسوّق مختلفة كما ويبحثون عن تفاعل في الوقت الحقيقي بينهم وبين الشركة باتجاهين. في هذا السياق بيّنت الدراسة أن 86% من المستهلكين الذين تحرّكهم العاطفة بشكل قوي يتوقعون من العلامة التجارية أن تُظهر وفاءها لهم بغضّ النظر عن مشاركتهم في برامج الولاء. حتى 54% من المستهلكين الذين تؤثّر العاطفة على خياراتهم بشكل أقل أبدوا نفس الملاحظة، وهو ما يُظهر أن فئة ضخمة من المستهلكين تتوقّع من الولاء أن يكون أكثر من برنامج أو أن يُحصر في إطار مادي بحت.

العاطفة... تدرّ المال والوفاء
تكشف الدراسة أن 70% من المستهلكين الذين تحركهم العاطفة بشكل قوي ينفقون بمعدل مرتين إلى ثلاث مرات أكثر على العلامات التجارية التي هم أوفياء لها، مقابل 49% من المستهلكين الذين تحركهم العاطفة بشكل أقل. وهذه الفئة من المستهلكين التي تؤثّر بها العاطفة إلى حد كبير، قادرة لوحدها إذا ما أُخذت طلباتها في الاعتبار أن ترفع المداخيل السنوية للمؤسّسة بنسبة 5%. ارتباط هذه الفئة من المستهلكين الذين يُبدون العاطفة في علاقتهم مع المؤسسة التي يتعاملون معها يظهر جليّاً أيضاً مع تأكيد 86% منهم أنهم يفكرون في العلامة التجارية أو المؤسسة التي هم أولياء لها أولاً في حال كانوا يبحثون عن شيء يقع في نطاق اختصاصها، فيما صرح 82% منهم أنهم يشترون من هذه العلامة التجارية أو المؤسسة في حال كانوا يريدون شراء منتج أو خدمة ما من ضمن الفئة التي تنتمي إليها المؤسسة.
كذلك فإن المستهلكين الذين تحركهم العاطفة بشكل قوي يبادلون المؤسسة أو العلامة التجارية التي هم أوفياء لها الولاء من خلال الترويج لها، حيث صرح 81% منهم أنهم يقومون بتسويق العلامة التجارية بين أفراد عائلتهم وأصدقائهم مقابل 50% من المستهلكين الذين لا تحركهم العاطفة بشكل كبير. وإذا ما خرجنا من الإطار الضيق للعائلة والأصدقاء فقد عبّر 62% من المستهلكين الذين تحركهم العاطفة بشكل كبير أنهم يدافعون عن العلامة التجارية التي يبادلونها الولاء أمام محيطهم الاجتماعي الواسع، مقابل 7% فقط من المستهلكين الذين تحركهم العاطفة بشكل أقل والذين أبدوا استعدادهم للقيام بالخطوة عينها.