لا يحتاج المرء لدراسات ولا لإحصاءات كي يدرك مدى ارتفاع كلفة المعيشة في لبنان، والتفاوت الكبير بين ما يتقاضاه اللبناني من جهة وما يتوجب عليه إنفاقه، وهو ما يضع الغالبية الساحقة من المجتمع في حالة مديونية وعجز مستمرين. إحدى أحدث المؤشرات الصادمة هي ما يكشفه موقع Numbeo الذي يعد أكبر قاعدة بيانات في العالم، متخصصة في رصد ظروف المعيشة في أغلب المدن والبلدان، إضافة إلى مؤشرات السكن والرعاية الصحية وحركة المرور ومعدلات الجريمة والتلوث. ما يميّز الموقع هو أن المعطيات التي يوفرها تستند إلى مساهمة المستخدمين الذين ممكن أن يكونوا من أهل البلد أو المدينة أو سياحاً رغبوا بمشاركة ما اختبروه. وعلى رغم أن الاعتماد على تقييم المستخدمين قد يعد نقطة ضعف من الناحية العلمية والمهنية، إلا أن قوته تكمن في مدى تأثيره في أي سياح مستقبلين ممن يقصدون الموقع لتكوين صورة ولو أولية عن كلفة المعيشة في مدينة ما وواقعها الأمني والبيئي.
بحسب الموقع احتلت بيروت المرتبة 198 عالمياً من أصل 439 مدينة من حيث كلفة المعيشة. وبحسب المعايير التي اعتمدها الموقع يتبيّن للزائر الذي يتصفح الصفحة أن عائلة مؤلفة من 4 أشخاص وتسكن في بيروت تحتاج إلى مبلغ 2775.77 دولار أميركي شهرياً، من دون احتساب كلفة إيجار المسكن. كذلك لا يدخل في الحساب كلفة التأمين والرعاية الصحية والمواقف كما وتكلفة استخدام عمال للخدمة المنزلية. وفيما يبدو الرقم كبيراً جداً فإنه وعند التدقيق أكثر يتبيّن أنه لا يزال رقماً بسيطاً وملطفاً إذا ما قسناه إلى الكلفة الحقيقية التي يتكبدها من يسكن في بيروت. فإضافة إلى المعطيات التي أشرنا إليها فإن الموقع اعتمد المعايير التالية لاحتساب كلفة المعيشة:
عدد أفراد العائلة (4)، تناول الغداء أو العشاء في المطاعم (10% من الوقت)، عند الأكل في المطاعم تختار مطاعم غير مكلفة (50%)، شرب القهوة خارج المنزل (باعتدال)، قضاء الوقت خارج المنزل سواء في السينما أو سهرة في حانة ومطعم (مرة في الأسبوع لكل فرد من العائلة)، جميع أفراد العائلة من غير المدخنين، يحتسون الكحول باعتدال، لا يقودون سيارة، لا يستخدمون التاكسي ويتنقلون باستخدام الباصات، جميعهم مشتركون في نادٍ رياضي، لا أحد منهم سافر، يشترون الملابس والأحذية باعتدال، ولا أحد من الأولاد مسجل في مدرسة خاصة أو حضانة.
كلفة المعيشة بين بيروت ولاس فيغاس شبه متقاربة


في محاولتنا لتقييم المعيشة في بيروت من خلال حد أقصى ما يمكن من التكاليف غير الضرورية وحتى استبعادها (رفعنا نسبة زيارة المطاعم غير المكلفة إلى 70% عوضاً عن 50%، بدل شرب القهوة في الخارج باعتدال اخترنا شرب القهوة بشكل قليل، افترضنا أن ما من أحد قصد السينما أو حانة للسهر وبأنه ما من أحد مسجل في ناد رياضي، يحتسون الكحول بنسب قليلة بدل باعتدال ويشترون الملابس والأحذية بالحد الأدنى) ولكن ومع إضافة كلفة الإيجار لشقة مؤلفة من 3 غرف نوم ومع فرضية وجود ولدين في مدرسة خاصة والحفاظ على المعطيات الأخرى غير المذكورة من دون تعديل. باعتماد هذا السيناريو يتبيّن أن كلفة المعيشة لعائلة من 4 أفراد في بيروت سترتفع إلى 3953 دولاراً أميركياً، مع التذكير مجدداً بأنه لا يدخل في حساب النفقات في هذه الحالة كلفة التأمين والرعاية الصحية والمواقف كما وتكلفة استخدام عمال للخدمة المنزلية. في السياق عينه حلّت بيروت في المرتبة الثانية عربياً من حيث كلفة المعيشة بعد أبو ظبي، ومتقدمةً على كل من المدن التالية: العين، الدوحة، دبي، عمّان، المنامة، الخبر، الشارقة، عجمان، مسقط، جدة، الرياض، الدمام، بغداد، إربيل، الرباط، الدار البيضاء، الجزائر، القاهرة، الاسكندرية وتونس.
من جهة أخرى وفي ما يتعلق بمؤشر سعر العقارات حلّت بيروت في المرتبة 59 من أصل 313 مدينة من حول العالم، متفوقة على كل من طوكيو (76)، مدريد (85)، فيينا (86)، نيويورك (111)، أمستردام (113)، سيدني (116)، برلين (136)...
إضافة إلى ما سبق، يتيح الموقع إمكانية مقارنة كلفة المعيشة بين مدينة وأخرى. وانطلاقاً من 1041 دولاراً أميركياً اعتمده الموقع كمتوسط راتب في بيروت يتبيّن وبالمقارنة مع المدن التالية وبافتراض أن الشخص يستأجر شقة في كلتا المدينتين أن الشخص يحتاج لمبلغ 2868 دولاراً شهرياً للتمتع بنفس مستوى المعيشة الذي بإمكانه التمتع به في بيروت لقاء 3600 دولار أميركي، أما في إسطنبول فيحتاج إلى 1924 دولاراً، وفي لاس فيغاس التي تشتهر بالبذخ والمقامرة يحتاج المرء إلى إنفاق 3930 دولاراً ليتمتع بنفس مستوى المعيشة الذي يمكنه التمتع به في بيروت نظير 3600 دولار!!!

* [email protected]