المفارقة أن الاستثمارات التي ننتظرها مرتبطة إلى حد كبير بالسياسة. قرار الدعم كان سياسياً، لكن، أنحن حقاً بحاجة لمؤتمرات عالمية للحصول على بضعة مشاريع استثمارية؟ أليس لبنان جذاباً إلى الحد الذي يجذب فيه المستثمرين؟ وهل حقاً الأوضاع في المنطقة هي التي تؤثر في تدفق الاستثمارات علينا وعلى جيراننا؟الحقيقة أكثر إيلاماً مما نتصور وإن كان لا نلغي آثار الظروف الإقليمية المحيطة بنا. المشكلة أن لبنان فشل في تسويق نفسه كمكان جذاب للمستثمرين ورجال الأعمال والسيّاح.

الدول تسوق أيضاً
نعم، كما أن الشركات تسوق لنفسها فالدول تسوق لنفسها أيضاً. وكما نتحدث عن علامة تجارية لشركة ما هنالك علامة تجارية لدولة ما. العلامات التجارية تؤثر في الدول كما أن الدول تؤثر في العلامات التجارية. لنأخذ ألمانياً مثلاً. حين ترى شعار شركة المرسيدس لا ينحصر تفكيرك بالشركة فقط كمؤسسة تجارية، بل لا إرادياً تميل إلى التفكير بالألمان كشعب متفوق صناعياً، يقدم منتجات وخدمات عالية الجودة. الأمر عينه ينطبق على اليابانيين والأميركيين والفرنسيين.

يصبح تفوق علاماتهم التجارية مرتبطاً بالدولة ككل، والعكس صحيح. أي أزمة سياسية في هذه الدول من الممكن أن تؤثر في علاماتها التجارية، وقد شهدنا هذا الأمر مع الرئيس الأميركي ترامب حين فضلت العديد من الشركات نقل عملياتها إلى الخارج حين قرر فرض ضرائب على الأوروبيين، وهو ما أثر في قوة بعض العلامات التجارية والشركات وعلى أسهمها...
لكن كيف نقيس العلامة التجارية لدولة ما؟ الطريقة المتبعة تقوم على إسقاط المنهجية المعتمدة على الشركات على الدول، وذلك من خلال تصورات مواطني أي دولة والسياح الذين يقصدونها والمستثمرين الذين يرغبون بممارسة الأعمال فيها، إضافة إلى تأثير الصورة التي تنقلها لنا وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي عن هذه الدولة.

لبنان آخر الدول
بالاعتماد على هذا السيناريو ووفق تقرير لشركة Brand Finance العالمية الذي درس العلامة التجارية للدول ومدى جاذبيتها للسياح والمستثمرين وآثارها على الشركات العاملة فيها، حلّ لبنان في المرتبة 95 من أصل 100 لعام 2018 متراجعاً مرتبة عن ترتيب العام 2017 حين حلّ في المرتبة 94.
فشل لبنان في تسويق نفسه كمكان جذاب للمستثمرين ورجال الأعمال والسيّاح


قد يبدو أن مناكفاتنا السياسية والتذاكي على بعضنا البعض والتفاهات التي ننجر إليها ليست إلا مادة للتندر الإعلامي، لكن في الحقيقة فإن آثارها عظيمة وانعكاساتها خطيرة. صورة لبنان باتت مشوهة، ولا يكفي تشكيل حكومة أو القيام ببعض الإصلاحات هنا وهنالك لتحسينها. والأمر ليس مرتبطاً بعظمة الشركات والعلامات التجارية العاملة في دولة ما. صحيح أن أبرز الدول من حيث العلامة التجارية هي الدول الصناعية الكبرى، لكن المفارقة فإن أفضل الدول من حيث النمو المسجل في علاماتها هي دول تشبهنا لا بل من حيث واقعها المعيشي أسوأ منا بأشواط. لكنها الصورة التي نعكسها عن أنفسنا ومدى جديتنا في الارتقاء نحو الأفضل. في هذا الإطار حلّت قبرص في المرتبة الأولى من حيث الدول ذات العلامة الأفضل أداءً تليها جمهورية الكونغو الديموقراطية ومصر وكينيا وتنزانيا وإثيوبيا...

* [email protected]