كان يفترض بالمؤتمر أن يكون الأهم والأبرز منذ انعقاد مؤتمر «سيدر» قبل سنة، وبعد 4 أشهر على إصدار شركة «ماكينزي» تقريرها الذي يفترض أن يرسم الرؤية الاقتصادية المستقبلية للبنان، والذي اعتبر أن السياحة ستكون أحد أكبر القطاعات الاقتصادية في لبنان وأكثرها توليداً لفرص العمل ومساهمةً في زيادة الناتج المحلي الإجمالي بحلول عام 2025.
أسئلة بلا أجوبة
لم يخبرنا أحد في المؤتمر عن مشاريع ملموسة، وعن خطط موضوعة وجاهزة تنتظر إقرارها ليبدأ تنفيذها، أو عن حجم التمويل اللازم، وإن كنا نعاني نقصاً في الخبرات في بعض المجالات. ولم يطلعنا أحد أين يجب أن تتركز الاستثمارات تحديداً، وهل نعاني فائضاً في الفنادق والمطاعم، وبالتالي أين يفترض بالراغب في الاستثمار أن يوّجه استثماراته؟ سمعنا عن السياحة الريفية والسياحة البيئية، لكننا لم نسمع عن واقع المناطق الريفية، وما تفتقر إليه فعلياً ومكامن قوتها وضعفها. تناول المتحدثون عرضاً السياحة الاستشفائية وأهميتها وكفاءة الكادر الطبي اللبناني، لكن لم يتطرق أحد إلى الاختصاصات الطبيّة التي يفترض التركيز عليها وحيث يمكننا أن نتفوق على محيطنا الإقليمي الذي يستثمر أموالاً طائلة في الرعاية الطبية والمستشفيات، ولا يدّخر فرصة لجذب الطاقات البشرية العالمية، ومنها اللبنانية. هل يعلم المنظّرون للسياحة الطبيّة في لبنان والتي لم يخصص لها حتى محور في المؤتمر، على رغم إشارة «ماكنزي» إلى أن أحد أبرز التحديات السياحية هو غياب تخصص المستشفيات في مجالات معيّنة، وهل يعلمون أن أحد العوائق الأساسية أمام النهضة الطبيّة في لبنان يكمن في أن أغلب المستشفيات تقدم كل الخدمات بحثاً عن الربحية، عوض أن تركز طاقاتها في مجالات محددة؟

نحن وهم
حضر المؤتمر وزيرة السياحة اليونانية، التي تحدثت عن تجربة بلادها والنهضة الكبيرة التي شهدها القطاع السياحي في بلاد الإغريق، وكان إحدى ركائزها التعاون الحثيث والدقيق والمتواصل بين مختلف الوزارات التي يتكامل ويتداخل عملها في كل المشاريع السياحية. من جهتنا، حضر إضافة إلى رئيس الحكومة، وزراء الاتصال والسياحة والاقتصاد، لكن أياً منهم لم يخبرنا عن آلية التعاون بين وزاراتهم، وهل ناقشوا الموضوع وطرحوا أفكاراً عمليّة للحد من البيروقراطية وتضارب الصلاحيات والاختصاصات والمصالح. ذكر الرئيس الحريري « أننا بخلافاتنا السياسية هشّلنا السياح... أنا لديّ قناعة بأن طريقة عملنا يجب أن تتغير قليلاً. ليس الاستقرار وحده هو ما يحسّن السياحة، علينا أن نحسّن أداءنا ونعمل بطريقة علمية». ممتاز. لكن كيف؟ لا إجابة.
«كيف نخطط لعشرين عاماً إلى الأمام ونحن بالكاد قادرون على السير 20 متراً إلى الأمام؟»


وفيما كان الجميع يجود علينا بمآثر حسن الضيافة في لبنان التي تولد مع اللبناني بالفطرة كما يسوّق، وعلى أنها ركيزة من ركائز السياحة وتعزيز تجربة الزوّار، كانت الوزيرة اليونانية تشرح كيف أنهم في «كوكب اليونان الشقيق» عملوا على الـ Tourism Education، سواء عند المواطنين أو عند الشركات العاملة في المجال السياحي لتحسين تعاطيهم مع السيّاح وتطوير معارفهم وخبراتهم وطريقة تواصلهم. أما الأمين العام السابق لمنظمة السياحة العالمية الدكتور طالب الرفاعي فارتأى أن يمرر لنا «لطشة» ملطّفة بقوله إن «جميع الشعوب مضيافة».

القليل من الواقعية
لعّل أكثر من لامس شعور الحاضرين ووجدانهم كان رئيس لجنة الزراعة والسياحة في البرلمان النائب أيوب حميد ورئيس مجلس إدارة كازينو لبنان رولان خوري اللذان طرحا أسئلة مؤلمة وموجعة وحقيقية يفترض الإجابة عنها قبل الاسترسال في الطموحات.
سأل خوري: «كيف نخطط لعشرين عاماً إلى الأمام ونحن بالكاد قادرون على السير 20 متراً إلى الأمام؟ ما الذي يمنع شركة طيران الشرق الأوسط من جلب اللبنانيين من البرازيل في الصيف؟ ما الذي يمنع إغلاق فندق أو مطعم أو مصنع يغش في الأسعار؟»
حميّد، من جهته، كسر بعضاً من الصور الوردية حول ضيافتنا التي لا مثيل لها، فشدد على أن من أبرز المعوقات «استغلال الضيف ومحاولة استنزافه قدر المستطاع وغلاء الأسعار في لبنان مقارنةً بباقي الدول، في ظل غياب الرقابة وضعفها». وتطرق إلى «نظرة التعالي السائدة تجاه رعايا بعض الدول وغياب المساعي الجدية للوصول إلى سيّاح أجانب من غير الدول التي اعتدنا التركيز عليها وخاصة الآسيويين». وللمفارقة، فإن تقرير «ماكينزي» تجاهل هذه الفئة من السيّاح التي تعد من الأبرز في العالم وأكثرها تنقلاً وإنفاقاً. فقد ذكر من ضمن المخطط لعام 2025 أنه يجب التركيز على زيادة سيّاح الترفيه من 15 دولة في 3 أنواع من الأسواق: الدول الخليجية والعربية (السعودية والإمارات والكويت والعراق والأردن ومصر) وأبرز الأسواق الأوروبية (فرنسا وألمانيا وإيطاليا والمملكة المتحدة والسويد وتركيا) والدول التي تضم عدداً مرتفعاً من المنتشرين اللبنانيين (الولايات المتحدة وكندا وأوستراليا).
انتهى المؤتمر، هنأ الجميع بعضهم البعض على الإنجاز، تبادلوا القبل والسلفيات وغادروا مع مرافقيهم ومواكبهم، بانتظار أن يلتقوا في مؤتمرات أخرى ليعطونا درساً في هدر الوقت واللاشيء.