نجحت «هواوي» في فرض نفسها لاعباً أساسياً في سوق الهواتف الذكيّة في لبنان. وتمكنت، خلال عامين ونصف عام تقريباً من رفع حصتها في السوق اللبنانية من 3.2% في كانون الثاني عام 2017، إلى 20.23% في أيار المنصرم، أي أقل بنسبة 1% من حصة هواتف آبل التي كانت تستحوذ على 25% من السوق المحليّة مطلع عام 2017، وفق إحصاءات موقع Statcounter العالميّ. ولا تظهر هذه البيانات فقط النمو المطرد في مبيعات «هواوي» في لبنان فحسب، بل تبيّن أنها باتت تمتلك قاعدة وفيّة وثابتة وتواصل النمو من المستهلكين، ما بات يفرض متابعة انعكاس القرارات التي اتخذها الرئيس الأميركي دونالد ترامب بحق الشركة الصينيّة على خياراتهم المستقبليّة. وفق المعطيات المتوافرة، لم تشهد أسعار هواتف «هواوي» في السوق اللبنانية أي حسومات. وبالتواصل مع فرع الشركة في لبنان للحصول على أرقام دقيقة عن مدى تأثر مبيعاتها بإجراءات الإدارة الأميركية، اكتفى مسؤولو الشركة بإحالتنا على بيان لمؤسس «هواوي» رن تزفيه، صدر منذ أسبوعين، يشدد فيه على أن الشركة «استعدت لمثل تلك المواجهة منذ زمن، وهي لم ولن تسعى الى حل مشاكلها من خلال الحملات الإعلامية، بل من خلال إثبات مزيد من جدارتها على طريق توفير خدمات ومنتجات نوعية وذات قيمة مضافة بالنسبة إلى العملاء». بمعنى آخر، تريد الشركة أن تظهر بموقف القادر على تخطي الأزمة بقدراتها الذاتيّة، من دون أن تبدي هلعاً من خلال المسارعة إلى خفض الأسعار والاستثمار في الحملات الإعلانيّة لجذب المستهلكين، لكونها تثق بولائهم لها، وبأن ما تقدمه لهم كفيل بالحفاظ عليهم مهما كانت الظروف.

المبيعات لم تتأثر
في غياب أرقام موثقة من الشركة، كان علينا أن نقوم بجولة ميدانية تشمل أبرز متاجر الهواتف الخلويّة وأكبرها في بيروت الكبرى، للوقوف على رأي التجّار والعملاء. يؤكد أصحاب المحلات التي زرناها أن مبيعاتهم من هواتف «هواوي» حافظت على معدلاتها الطبيعيّة، وفي حال حصول أي تراجع، فهو هامشي ولا يذكر ولا يمكن ربطه بالإجراءات الأميركية بقدر ما يمكن أن يكون مرتبطاً بالظروف الاقتصاديّة في البلد ككل. وتؤكد الداتا المتوافرة على موقع Statcounter هذه المزاعم، إذ يظهر أن مبيعات «هواوي» تراجعت بنحو هامشي جداً، وبنسبة 0.5% بين شهري نيسان وأيار المنصرمين.
حافظت مبيعات «هواوي» في لبنان على معدّلاتها الطبيعيّة


أما بالنسبة إلى العملاء الذين تحدثنا معهم، فيبدو أنهم يأخذون القضية على محمّل شخصي، ويعدّون أنفسهم جزءاً من المعركة الدائرة بين العملاقين الأميركي والصيني. أحدهم يرى أن «الأميركيين يريدون سرقتنا، من خلال كسر «هواوي» التي تنتج هواتف بسعر أرخص وجودة أعلى من باقي الشركات». أما زبون آخر، فيؤكد أن «الأميركيين لن يتمكنوا من إخضاعنا وإخضاع هواوي، ونحن على ثقة بالشركة». أما بعض المستهلكين الأقل حماسة واندفاعاً، فيكتفون بالقول إنهم سيواصلون شراء هواتف «هواوي» ولن يستبدلوها «لأننا حصلنا على طمأنات من محال البيع، وأعلمونا أن هذه القرارات لن تؤثر في الأجهزة الحالية، لذا لا حاجة للخوف».

«هواوي» في مأمن... ولكن!
لا يمكن الاستخفاف بالعقوبات الأميركية بحق «هواوي»، لكن ما يشفع للشركة ولعملائها في الوقت الراهن أن هذه العقوبات ستطاول الأجهزة الجديدة التي ستنتجها الشركة، وبالتالي إن الأجهزة الحاليّة المتوافرة في الأسواق بمنأى عن عصا العم سام. ولعل هذا الأمر أبرز ما ساعد الشركة الصينية على الصمود وساهم في اطمئنان عملائها. أضف إلى ذلك أن من عوامل جاذبية «هواوي» لدى المستهلكين توفيرها لهم أبرز التقنيات والتكنولوجيا بأسعار مقبولة، ما جعلها اللاعب الأبرز في فئة الهواتف المتوسطة السعر، لكونها تقدم الخصائص نفسها التي يقدمها منافسوها بأسعار أعلى. كذلك، إن ردّ فعل الشركة وتعاطيها مع الهجمة الأميركية بهدوء وكأمر متوقع أسهما في الحد من مخاوف العملاء، خاصة في ظل إعلانها أن نظام التشغيل الجديد الخاص بها الذي سيحمل اسم «هونغ منغ» في الصين واسم «أرك» أو «أوك» في باقي دول العالم سيصدر الخريف المقبل. ويتوقع أن تسمح هواوي بتنصيب نظام تشغيلها الجديد على مختلف الهواتف الأخرى على غرار نظام التشغيل «أندرويد»، ما سيدفع العديد من شركات الهواتف الآسيوية إلى اعتماده للخروج من عباءة غوغل، وتجنباً لملاقاة مصير «هواوي».
لكن يبقى السؤال الكبير هو إلى أي حد سيكون هذا النظام الجديد فعّالاً وجاذباً للعملاء، خصوصاً أن أبرز التطبيقات مثل فايسبوك وواتساب وإنستغرام ويوتيوب وخرائط غوغل وباقي خدمات غوغل بحكم العقوبات لن تكون متوافرة على متجر «هواوي» الجديد؟ أحد الحلول المؤقتة يمكن أن يكون متاجر التطبيقات المفتوحة المصدر مثل Aptoide، وهو متجر لتطبيقات الأندرويد يمكن تنصيبه على أي جهاز يستخدم نظام التشغيل أندرويد ويتيح لمستخدميه تنزيل كافة التطبيقات تقريباً ويمكن تسميته متجر القراصنة. إذ إن العديد من التطبيقات المدفوعة موجودة عليه من دون أي كلفة. ولكن هل يمكن الثقة بتلك التطبيقات الآتية من السوق السوداء؟