بتاريخ 22/9/2014، أصدرت محكمة المقاطعة الشرقية لمدينة نيويورك حكماً ضد البنك العربي. حمّلته المسؤولية المدنية في قضية "لندي" المقامة ضده في نيويورك من قبل مدّعين يحملون الجنسيات الإسرائيلية والأميركية. هذه المحكمة فرضت سابقاً عقوبات على البنك، معتبرة أن التزامه بأحكام السرية المصرفية في البلدان التي يعمل فيها لا يعكس حسن النية، متجاهلة أحكام القوانين في الدول التي يعمل فيها البنك، والتي تمنع البنوك العاملة فيها من إفشاء معلومات مصرفية لأي جهة خارجية ويعرضها لعقوبات جزائية في حال الإفشاء.
قضية البنك العربي، أو ما يُعرف بقضية "لندي"، هي قضية نموذجية عن سلوك يهدد المصارف العربية برمتها، إذ بدأت هذه القضية (http://www.al-akhbar.com/node/215027) عندما رُفعت دعاوى في المحكمة الأميركية قبل عشرة أعوام للمطالبة بتعويضات عن خسائر الهجمات على أهداف إسرائيلية في النصف الأول من العقد الماضي. يدّعي هؤلاء أن البنك العربي كان يتولى نقل الأموال لحركة «حماس». طلبت محكمة المقاطعة من البنك تقديم وثائق سرية عائدة لمودعيه وزبائنه بهدف إثبات عدم تورطه في ما تعتبره الادارة الاميركية شكلاً من أشكال تبييض الاموال وتمويل الارهاب، إلا أنه رفض ذلك بحجة السرية المصرفية التي تمنعه من إفشاء أسرار زبائنه. ردّت المحكمة بفرض العقوبات عليه بوصفه غير متعاون، أو بحسب ما ورد في قرار المحكمة "لا يعكس حسن النية".
البنك العربي قرر تقديم طلب استئناف للحكم الاخير لدى المحكمة المختصة، ودعاها إلى إعادة النظر في قرار محكمة المقاطعة حسب الإجراءات المعتمدة، انطلاقاً من اقتناع البنك بسلامة موقفه في هذه القضية، إذ سيقوم البنك بتقديم دفوعه لمحكمة الاستئناف والطعن في جميع الإجراءات والأدلة التي لم يتسنّ له تقديمها أثناء المحاكمة الابتدائية بسبب العقوبات.
الجدير بالاشارة أن المحامي العام الأميركي قدّم إلى المحكمة العليا الأميركية في شهر أيار الماضي مطالعة انتقد فيها العقوبات التي فرضتها محكمة المقاطعة على البنك العربي. تضمنت هذه الانتقادات أن محكمة المقاطعة أخطأت في أمور قانونية جوهرية عدة، منها:
¶ افتراضها أن التزام البنك بأحكام السرية المصرفية في هذه القضية المدنية الخاصة لا يعكس حسن نية البنك.
¶ عدم قيامها بإعطاء وزن كاف لمصالح الحكومات الأجنبية في تنفيذ قوانينها الخاصة ضمن سيادتها الإقليمية وفي تطبيق أحكام السرية المصرفية الخاصة بها.
¶ عدم مراعاتها لمبدأ التوازن في المصالح ذات العلاق، الذي يختلف بشكل جوهري عند قيام طرف مدني خاص بطلب مستندات موجودة في دولة أجنبية، حيث إن مثل هذه الطلبات الخاصة تشكل تعدياً على مصالح السيادة الأجنبية (احترام القوانين الأجنبية).
¶ عدم إعطاء وزن كاف للمصالح الخاصة بالولايات المتحدة الأميركية والسيادة الأجنبية.
بحسب البنك العربي، شددت الحكومة الاميركية، من خلال مذكرة المحامي العام، على أن أي حكم يصدر استناداً إلى هذه العقوبات من دون تعديلها من قبل محكمة المقاطعة سيكون خاضعاً للفحص الدقيق والنقض من قبل محكمة الاستئناف، وأن سبب توصيته بعدم قبول طلب البنك العربي كان بناءً على توقعاته بأن محكمة المقاطعة ستقوم بإجراء هذه التعديلات ومعالجة طريقة تطبيق هذه العقوبات خلال المحاكمة. وعلى الرغم من ذلك، قام قاضي محكمة المقاطعة بتطبيق هذه العقوبات وتوجيه المحلفين بشكل متشدد، الأمر الذي سيدعم موقف البنك بشكل كبير أمام محكمة الاستئناف.
يراهن البنك العربي على محكمة الاستئناف في نيويورك. يقول إنها أصدرت (سابقاً) قرارات قضائية أسقطت بموجبها قضايا مماثلة ألزمت المدعين بإثبات وجود ارتباط مباشر ما بين الخدمات المصرفية التي قدمتها البنوك والضرر الذي لحق بالمدعين، إضافة الى أن المحكمة العليا الاميركية أكدت على هذه السوابق القضائية التي تحتم ضرورة إثبات العلاقة السببية المباشرة بين أفعال المدعى عليه المزعومة والأضرار التي لحقت بالمدعين.
يقول البنك العربي إنه "خلال المحاكمة الابتدائية، التي استمرت أكثر من أربعين يوماً، لم يقدم المدعين أدلة أو بينات تشير إلى علاقة البنك بالأعمال والحوادث موضوع الدعوى. ففي القضية المماثلة، التي أقامها المدعي ماتي جيل ضد البنك العربي والتي استندت بشكل كبير إلى الأدلة نفسها في قضية لندي، أصدر كبير القضاة جاك واينشتاين حكماً لمصلحة البنك العربي ردّ بموجبه القضية.
خلافاً لما كان متوقعاً من قبل البنك والمحامي العام الاميركي، قام القاضي في محكمة المقاطعة بتطبيق العقوبات بشكل موسع وقاس، ومنع البنك من تقديم غالبية أدلته التي تثبت عدم مسؤوليته، ومن ضمنها السياسات والإجراءات التي اتبعها في مجال مكافحة تمويل الارهاب وتعاونه مع الجهات المعنية والمختصة لهيئة المحلفين، وحرم البنك من حق الدفاع عن نفسه، إذ منع رئيس مجلس الادارة، صبيح المصري، وباقي شهود البنك المختصين من الإجابة عن أسئلة حول التزام البنك بمكافحة تمويل الارهاب ومنع غسل الأموال ضمن التزامه بمتطلبات القوانين والتعليمات الاجنبية المتعلقة بهذا الموضوع. كذلك استبعدت المحكمة العديد من شهود البنك المؤهلين والمطلعين على أعمال اللجنة السعودية الذين كانوا سيشهدون حول مشروعية اللجنة، والتي تشكل أحد محاور الدعوى الرئيسية، إذ كانت هذه اللجنة قد أنشئت بموجب مرسوم ملكي سعودي لغاية تقديم المساعدات الانسانية للشعب الفلسطيني في الظروف القاسية التي مر بها خلال فترة الانتفاضة الثانية، علماً بأن محكمة المقاطعة سمحت للمدعين بأن يقدموا شهوداً غير مؤهلين وغير مطلعين على طبيعة أعمال اللجنة السعودية ومشاريعها الخيرية.
يطالب المدعون البنك العربي بتعويضات مالية كبيرة بحجّة أنهم تضرروا من عمليات المقاومة (المصنفة إرهابية في الولايات المتحدة) ضد إسرائيل. يقلل البنك العربي من أهمية ذلك في حال تم ردّ استئناف البنك والبدء بإجراءات تحديد قيمة التعويضات. وقال البنك في بيان له إن من السابق لأوانه الحديث في قضية التعويضات، مشيراً الى أن هذه القضية هي قضية مدنية تعويضية وليست قضية رقابية حكومية، وبالتالي فإن تقدير التعويضات يعتمد على مقدار الضرر الفعلي، إن وجد، لكل فرد من المدعين، وهو أمر محكوم بإجراءات وضوابط وإثباتات ومحددات، ما يستغرق فترة زمنية طويلة، علماً بأن البنك متحوّط لهذا الأمر.
يشدد البنك العربي على أنه لم ولن يتأثر بأي قرار قد ينجم عن مراحل المحاكمة. فالبنك العربي حقق نمواً في أرباحه الصافية العام الماضي بنسبة 43%، في حين بلغت أرباح البنك خلال الستة أشهر الأولى من هذا العام 415 مليون دولار، مع احتفاظه بمستويات سيولة مرتفعة، إذ بلغت نسبة صافي القروض الى الودائع 62.5%، في حين تبلغ القاعدة الرأسمالية للبنك العربي 7.9 مليارات دولار.
(الأخبار)