هشام ديقهيُعَدّ القطاع العقاري في لبنان اليوم من أكثر الموضوعات التي تشغل بال مختلف شرائح المجتمع اللبناني، ولا سيما المتوسطة والفقيرة، الساعية إلى توفير مسكن بات حلماً عند كثيرين. وعدم معالجة هذه الأزمة التي تقع في المقام الأول على الدولة، أو إهمالها، سيؤدي إلى مشاكل اجتماعية واقتصادية إضافية.

يشهد القطاع العقاري في لبنان حالياً مرحلة من الجمود الاستثماري وتراجعاً بسيطاً في حجم المبيعات، مقارنة بعام 2013، ويعود هذا الانكفاء الاستثماري إلى المناخ الاقتصادي السلبي الذي يعيشه لبنان بسبب الأحداث السياسية والأمنية الحالية، وتداعيات الأزمة السورية، التي أدت إلى هروب المستثمرين الخليجيين والأجانب، وانكفائهم.

2005 بداية الأزمة

تشكل السوق العقارية أحد أهم الأنشطة التجارية في مجال التعمير والإنشاء. ويُعَدّ هذا القطاع فرصة جذب للمستثمرين، نظراً إلى قلة المخاطر الاستثمارية، وأهميته مقارنة بحجم الناتج المحلي الإجمالي الذي يقدَّر بنحو 33 ملياردولار.
بدأت أزمة العقارات في لبنان عام 2005، إذ بلغ معدل ارتفاع أسعارها سنوياً ما نسبته 25 في المئة، إلى أن حصلت "الفورة الكبرى" في عام 2008 عندما ارتفعت الأسعار بما نسبته 40 في المئة، وهي نسبة عالية جداً، لحصول تضخم عقاري، إثر الأزمة المالية العالمية وما نجم عنها من تداعيات في تدفق الأموال الخارجية خلال عامي 2009 و2010 إلى القطاع المصرفي اللبناني، واتجاه الأموال الأجنبية للاستثمار في حقل العقارات كونه أكثر أمناً ومرونةً، الأمرالذي أدى إلى ارتفاع حاد في أسعار العقار في لبنان.

سوريا تؤثر

بعد دخول لبنان نفق الأزمة السورية وخسائرها على الاقتصاد الوطني التي قدّرت بأكثرمن 7.5 مليارات دولار حسب دراسة أعدها البنك الدولي، ارتفع معدل البطالة إلى أكثرمن 21 في المئة. ودخول السوق اللبنانية في مزاحمة على العمل بين العمالة اللبنانية والعمالة السورية التي تعدّ أقل كلفة وظيفية ومهنية، إضافة إلى انحسار حركة السياحة بسبب الأوضاع الأمنية والسياسية الصعبة خلال عامي 2012 و2013. كل هذه العوامل أدت إلى هجرة فئة كبيرة من الرساميل وخروجها من حلبة الاستثمار العقاري، حيث سجلت تراجعاً في الطلب الأجنبي على العقارات والحركة الخارجية الاستثمارية قدرت بنحو 9 في المئة عما كان عليه سابقاً، حسب تقديرات خبراء اقتصاديين.
كذلك أدت هجرة الشباب المتنامية إلى تراجع في الطلب على الشقق، الذي أدى بدوره إلى تراجع المبيعات العقارية إلى نحو 19 في المئة. إضافة إلى ارتفاع ملحوظ في أسعار المواد الأولية، كالحديد الفولاذ، التي أثرت سلبياً في أسعار هذه المبيعات.
ولم يؤد النزوح السوري إلى تحسن في سوق العقارات، باعتبار أن نزوح السوريين الأغنياء لم يكن له الأثر الكبير في عملية بيع الأراضي والشقق وشرائها، فاقتصرت حركتهم على إنعاش سوق الفنادق واستئجار الشقق، ما أدى لاحقاً إلى ارتفاع في أسعار الإيجارات.

الشقق المفروشة

في هذا الإطار، يقول رئيس نقابة أصحاب الشقق المفروشة زياد اللبان، "إن النشاط العقاري اليوم يتسم بتراجع بسيط للطلب على الشقق الصغيرة التي تبلغ مساحتها ما بين 100م – 120م– 150م، والتي تحصد الطلب الأكبر لأصحاب الدخل المحدود، في مقابل استقرار في أسعار الشقق السكنية الأكبر، بعد موجة من الارتفاع المتصاعد حصلت مع بدايات الأزمة السورية وجنت أوضاعاً اقتصادية وأمنية سيئة أثرت مباشرة في حركة الاستثمار العقاري. لكن لا بد من الإشارة إلى أن الطلب العقاري لعام 2014 كان أفضل من المعدلات السابقة خلال عامي 2012 و2013. وأدى هذا التراجع في الطلب على الشقق الصغيرة إلى الخروج القسري للفئات الفقيرة والمتوسطة خارج نطاق بيروت. أما بالنسبة إلى أسعار الشقق المتوسطة/الكبيرة التي تبلغ مساحتها بين 150م-180م–200م، فقد ظلت أسعارها ثابتة نسبياً بسبب قلة الطلب عليها. وتراجعت أسعار مبيعاتها تبعاً لوضعيتها المناطقية".
عن حركة الاستثمار الأجنبي في القطاع، يقول اللبان: "يُعدّ الاستثمار الأجنبي السبيل المؤثر في عملية التنمية الاقتصادية، وذلك بهدف تحقيق النمو، وزيادة المقدرة الإنتاجية، وتكوين حجم ضروري من الرساميل للحصول على العملات الصعبة لتغطية حاجات البلد الاساسية من البضائع والخدمات. ومن مستلزمات الاستثمار الأجنبي توافر بيئة اقتصادية مرنة ومستقرة، تكون شرطاً تحفيزياً من أجل تشجيعه على الدخول إلى الساحة الاستثمارية، إضافة إلى وجود بنية تحتية سليمة ومتطورة، كفيلة بإنعاش النشاط الاقتصادي. ونتيجة للصراعات السياسية والمطبات الأمنية المتلاحقة، تراجع الطلب لدى المستثمر الأجنبي إلى حد كبير، ما أثر بنحو ملحوظ في حركة المبيعات العقارية.

استقرار السوق

هجرة الشباب المتنامية
أدت الى تراجع الطلب على الشقق
على الرغم من سلبياتها، فإن انكفاء الطلب على الشقق عامي 2012 و2013 أدى الى انخفاض ملحوظ في أسعار الشقق في المناطق خارج مدينة بيروت. اما الوقع الايجابي الاضافي الذي نتج من الأزمة السورية، فهو الركود في أسعار العقارات والحؤول دون ارتفاعه، الأمر الذي أعاد الاستقرار إلى السوق العقارية، وأدى إلى انخفاض ملموس في أسعار الشقق بلغ أكثر من 5 في المئة، لكون حجم العرض على الشقق لم يقابله طلب مقبول يؤدي إلى طفرة إنشائية.

إعادة الديناميكية

عن رؤيته لواقع القطاع العقاري في لبنان اليوم، يؤكد الخبير الاقتصادي كامل وزنة، أن
القطاع عموماً، تحسن عما كان عليه في بدايات الأزمة السورية التي سببت تدهوراً في حجم الطلب العقاري، الذي كان متوقفاً بالتزامن مع ارتفاع الأسعار. علماً بأن هذا الجمود في السوق العقاري ساعد على إعادة ديناميكية حركة البيع، وحرّك الأسعار نحو الانخفاض، خصوصاً بعد تحسّن الأوضاع الأمنية التي كانت مضطربة في فترة من الفترات وانتعاش حركة السياحة.
ويرى وزنة أن "تحرك الدولة برز خلال العديد من إجراءات الدعم، حيث ضخ المصرف المركزي نحو مليار دولار في القطاع العقاري لترميم الأضرار التي لحقت به في الفترات السابقة، إضافة إلى قرار وزير المالية حسن خليل، بإمداد المؤسسة العامة للإسكان بسلفة مالية بقيمة 10 مليارات ليرة لدعم هذه المؤسسة".
وعن الكلام على مشروع الشقق الصغيرة ذات التكلفة المنخفضة، يقول وزنة: "لا توجد لغاية الآن أي جدية من قبل الدولة أو المصرف المركزي أو حتى الهيئات الاقتصادية والسياسية في تنفيذ هذا المشروع الأفضل لجميع الفئات الشعبية، والذي يمكن أن يعالج واقع الأزمة العقارية في لبنان وإيجاد الفرص الجديدة أمام الشباب الذي فقد الأمل في أوقات سابقة".
ويختم قائلاً: "إن هذا المشروع لا يزال تصميماً نظرياً يحتاج إلى خطة استراتيجية ومنتظمة، وذلك عبر توفير البنية التحتية من شبكة مواصلات وطرقات وغيرها. إن تشييد هذه الوحدات السكنية يكون في مناطق الأطراف، وذلك للابتعاد عن الاكتظاظ السكاني وتجنّب الإعمار العشوائي، أما أسعارها فهي منخفضة جداً لأن تلك التجمعات السكنية مشيدة على أراضي تمتلكها الدولة (ارتفاع أسعار الأراضي = ارتفاع أسعار العقارات)".