في نيسان الماضي، أصدر حاكم مصرف لبنان، رياض سلامة، القرار رقم 11759، وقضى بإنشاء وحدة جديدة ملحقة به مباشرة، تسمى «وحدة متابعة استقرار القطاع المصرفي والمالي». يومها، لم يحظ هذا القرار بالاهتمام الإعلامي، بل إن إدارات المصارف، التي لا تعجبها عادة مثل هذه الإجراءات الرقابية، اكتفت بهمس ملاحظات شكلية لا تصيب جوهر الهدف من إنشاء هذه الوحدة.
إلا أن القرار بدأ تنفيذه أخيراً بتعيين مدير للوحدة وتكليفه تأسيس جهازها، وبات سلامة نفسه ملحاً في الإسراع بتنفيذ الإجراءات ليكون في عهدته قريباً «نظام الإنذار المبكر»، الذي يحتاجه لتدارك أي أزمة غير متوقعة قد تصيب أحد المصارف أو القطاع ككل. جاء هذا القرار متزامناً مع ارتفاع درجة التحذيرات التي أطلقها سلامة في مناسبات عدّة، ولا سيما عندما أعلن قبل أشهر قليلة أن القروض المصرفية الممنوحة للأُسر باتت تتجاوز نصف مداخيلها، وبالتالي بات هناك ضرورة لزيادة التحوّط في ظل تراجع النشاط الاقتصادي وازدياد البطالة وتعثّر العديد من المؤسسات والأعمال. أصدر سلامة بالتزامن مع هذه التحذيرات تعاميم جديدة لضبط نشاط المصارف في مجال منح قروض التجزئة المخصصة للاستهلاك وشراء العقارات والسيارات.
الواضح من نص القرار أن حاكم مصرف لبنان لا يجد أجهزة الرقابة على المصارف القائمة كافية، ولا سيما لجنة الرقابة على المصارف وهيئة التحقيق الخاصة، وهما يتوليان أصلاً معظم المهمات الموكلة إلى الوحدة المستحدثة. يبدو، بحسب مصادر في مصرف لبنان، أن المخاطر المحتملة تحتاج إلى نوع مختلف من الرقابة، يتميّز عن لجنة الرقابة على المصارف، ويذهب أبعد من هيئة التحقيق الخاصة، ويكون جدياً أكثر من مفوضي المراقبة. فالمطلوب، بحسب المصادر نفسها، «أن يتمكن مصرف لبنان من استكشاف مستويات التركّز في التسليفات والفروع والتوظيفات والودائع بما يتيح له وضع مقاربات سوقية تتعلق بالقدرة الشرائية المحلية قياساً إلى المخاطر الناجمة عن التركّز، فضلاً عن إجراء تحاليل للأسواق العالمية وتأثيراتها محلياً».
هجرة الشباب المتنامية
أدت الى تراجع الطلب على الشقق


بحسب هذه المصادر، ذهب سلامة هذه المرة إلى استنساخ تجربة المصارف المركزية في العالم لفترة ما بعد عام 2008، أي ما بعد انفجار الأزمة المالية العالمية، فنشوء هذه الوحدة يحاكي الظروف الحالية الاستثنائية.
وتشير المصادر إلى أن عمل الوحدة لا يطغى أبداً على أعمال الأجهزة الرقابية الثانية لدى مصرف لبنان، لأن الوحدة ستنظر إلى القطاع المصرفي وإلى قطاعات الاقتصاد المتصلة به بصورة عامة، فيما لجنة الرقابة على المصارف تنظر إلى كل مصرف على حدة وتشرف على تطبيق القواعد والأصول المصرفية، أي إن زاوية الرؤية لدى هذه الوحدة هو أشمل وأوسع، وهي تستقي معلوماتها وأرقامها عن القطاع من لجنة الرقابة على المصارف ومن المديريات المعنية في مصرف لبنان .
تلفت المصادر إلى أن هذه الوحدة جاءت بالتزامن مع إجراءات أخرى، منها التعميم الذي أزعج المصارف كثيراً بعدما فرض عليها مؤونات بنسبة 2% من قيمة تسليفات التجزئة المتعثّرة أو التي تأخّر أصحابها عن السداد. فهذا التعميم فرض على المصارف ألا تموّل قروض التجزئة بنسبة 100%، بل حدّد لها النسبة 75%، وربط بين التمويل وبين دخل الأسرة محدداً النسبة ضمن سقف 45% لقروض التجزئة ما عدا السكن المحدّد بنسبة 35%. في المحصلة، إن قلق مصرف لبنان هو أن تتحول قروض السكن وقروض التجزئة إلى فقاعة تنفجر في وجه المصارف ومصرف لبنان في أي لحظة. مثل هذا الأمر قد يفتح الباب أمام انهيار تليه انهيارات.




نظام الإنذار المبكر CAMELS


هو نظام مصرفي عالمي يقوّم أداء البنوك ويطلق الإنذار المبكر للوقاية من احتمالات تعرض البنوك لأزمة ما. يعمل هذا النظام على تعريف احتمالات حدوث هذه الأزمات في وقت مبكر لاتخاذ ما يلزم من سياسات وإجراءات رادعة أو مانعة من وقوعها.
نظام CAMELS هو لتعزيز سلامة ومتانة القطاع المصرفي الذي يساعد على التقويم المنتظم للمؤسسات المالية ضمن إطار يتضمن الرقابة المكتبية والميدانية. ويتضمن نظام تقويم المخاطر والإنذار المبكر أربعة أنواع يجري استخدامها عالمياً وهي “نظم التصنيف الرقابي للبنوك ونظم تحليل النسب المالية والمقارنة مع البنوك المشابهة ونظم التقويم الشامل للمخاطر والنماذج الإحصائية”، وهو معتمد في عدد كبير من الدول العربية والعالمية.